نضوب النفط ودور الطاقة الشمسية

نضوب النفط ودور الطاقة الشمسية

منذ 10 سنوات

نضوب النفط ودور الطاقة الشمسية

هذه ليست المرة الأولى التي أستوحي فيها موضوع المقال من تعليقات وأسئلة التابعين والمتابعين في أداة التواصل الاجتماعي، تويتر. فقد طرح أحدهم علي سؤالاً جيدًا عندما ذكرت أن مرافق توليد الطاقة الشمسية أصبحت منافسة للمصادر النفطية. وكان سؤاله، أو تساؤله، إذا كان الوضع كما ذكرت فلماذا لا تزال الدول المتقدمة تشتري المشتقات النفطية بسعر أعلى من تكلفة الطاقة الشمسية. السؤال ذكي ومنطقي، وكما ذكرت للسائل، الموضوع يحتاج إلى إجابة طويلة ومقنعة.\nفالمواد الهيدروكربونية، وخاصة مشتقات السوائل النفطية، وإلى حدٍّ ما الغاز، لها مميزات واستخدامات كثيرة لا تتوفر في جميع بدائل مصادر الطاقة الأخرى بما فيها الطاقة الشمسية. فهي، إلى جانب كونها مصدرا غنيا بالطاقة، لها أيضا مزايا صناعية أخرى لا حصر لها. فهي تتحول إلى لقيم للصناعات البتروكيماوية التي تمدنا بمختلف المنتجات التي نستخدمها في جميع شؤون حياتنا وفي منازلنا ومركباتنا، الذي يطير منها في الجو والذي يسير على الأرض أو التي تمخر عباب المحيطات.\nوما لا يصلح للصناعة من مرسبات معامل التكرير يستخدم في عملية رصف الشوارع والطرق العامة، إلى جانب استخدامات أخرى كثيرة. بينما استخدامات الطاقة الشمسية تنحصر في توليد الطاقة الكهربائية فقط وخلال النهار في الوقت الحاضر، وإن كنا نأمل أن تتوصل البحوث العلمية إلى إيجاد وسيلة لتخزين الطاقة الشمسية من أجل استخدامها خلال الليل. وهناك بلدان كثيرة لا تكون الشمس ظاهرة فيها بالقدر الذي تسطع فيه دول الشرق الأوسط الصحراوية.\nواستخدام الطاقة الشمسية كبديل للمصادر النفطية يعني الاستغناء عن نسبة كبيرة من البنية التحتية التي كانت قد تم إنشاؤها علميًّا لتلائم استخدام المشتقات النفطية كمصدر للطاقة، التي كان قد كلف إنشاؤها المجتمع الدولي عشرات التريليونات من الدولارات منذ اكتشاف النفط قبل 150 عاما.\nوهذا يشمل معامل الإنتاج والنقل والتكرير ووسائل نقل المحروقات ومصانع المركبات الميكانيكية بأنواعها وأشكالها، التي تسير بواسطة أنظمة الاحتراق الداخلي ومنشآت أخرى لا حصر لها. وعدم استخدام هذه البنية يمثل خسارة مادية هائلة، ويتطلب إنفاق تريليونات الدولارات والعملات الأخرى من جديد لبناء بنية تحتية تلائم مصادر الطاقة المتجددة الجديدة. وهو ما يتحاشى العالم اليوم اللجوء إليه، إلا في حالة الضرورة القصوى عندما لا يكون أمام المجتمع الدولي خيارات أخرى، وهو وضع قادم لا محالة وليس هناك مهرب منه. وهي مسألة وقت قد لا يدوم طويلاً. ومن حسن الحظ أن صناعة الطاقة الشمسية بسيطة ومتيسر توطينها. وتنفيذ بناء منشآتها لا يستغرق إلا مدة قصيرة قد لا يتعدى العام الواحد في أغلب الأحوال. ولكنها، وكأي مشروع صناعي حديث، تحتاج إلى تمويل كبير وبنية تحتية قوية ربما لا تكون متوافرة بالقدر المطلوب عند كل من أراد استخدام الطاقة الشمسية. وقمة عطاء الطاقة الشمسية يوافق ذروة استهلاك الطاقة الكهربائية، مما يوفر مبالغ كبيرة لإنشاء مرافق توليد جديدة تُغطي أوقات الذروة.\nولذلك فمعظم الدول التي تتجه نحو الاستثمار في الطاقة الشمسية تختار التريث حتى تجد نفسها مضطرة ولا مناص لها من الدخول في هذا المجال. وبالنسبة لنا في المملكة، فإن إقامة مشاريع الصناعة المتكاملة لتوليد الطاقة الشمسية ستوفر لنا مئات الآلاف من الوظائف الثابتة للمواطنين على مدى العقود المقبلة. ولدينا في الوقت الحاضر من الفوائض المالية ما يزيد على حاجتنا إلى الاستثمار في هذا المجال الحيوي الأكثر مردودًا من أي استثمار آخر، ناهيك عن أهمية مشاريع الطاقة الشمسية بالنسبة لمستقبل هذه البلاد التي تعتمد حاليًّا على مصدر واحد للدخل. فهي من أفضل مصادر التنويع، حيث إنها لا ترتبط بالمصادر النفطية.\nوكنا نتمنى لو كانت مرافق توليد الطاقة الشمسية في المملكة قد توافرت قبل سنوات حتى نحتفظ بكميات أكبر من نفطنا ونضع أنفسنا في مقدمة المستخدمين لهذه الطاقة المهدَرَة. وأفضل استخدام للطاقة الشمسية اليوم هو في المناطق النائية كرافد للوقود الحالي من الغاز والمشتقات النفطية. وعلى الرغم من وفرة مصادر الطاقة النفطية في وقتنا الحاضر عند أسعار معتدلة وثابتة نسبيًّا، إلا أن هناك في الآونة الأخيرة حراكا غير عادي من جانب الكثير من الدول تجاه إنشاء مرافق جديدة لتوليد الطاقة الشمسية.\nوفي مقدمة تلك الدول التي تخطط فعلاً لتوسيع اعتمادها على الطاقة الشمسية دولة الصين، حيث يوجد لديها محليًّا صناعة متقدمة لمواد إنشاء مرافق التوليد وبوفرة كبيرة. وهي التي كانت سببًا في انخفاض أسعار مواد توليد الطاقة الشمسية إلى مستوى كان قد أدى إلى إفلاس عدد من الشركات العالمية المصنِّعة لمواد توليد الطاقة الشمسية خارج الصين منذ عامين.\nومن المتوقع أن يعود نشاط التصنيع في أمريكا وأوربا وتُستأنف عملية المنافسة بين الأطراف المختلفة. ونبقى نحن في انتظار دورنا في دخول مجال تصنيع وإنتاج الطاقة الشمسية، متى ما سمحت لنا البيروقراطية المقيتة. مع أن الدولة ــــ حفظها الله ــــ قد أعطت الضوء الأخضر للمؤسسات المعنية منذ بضع سنوات لتنفيذ فكرة استخدام الطاقة الشمسية كرافد من روافد مصادر الطاقة. ويجب ألا يغيب عن البال أنه سيكون للطاقة الشمسية دور بارز في حياة البشرية لا يقل عن دور المصادر النفطية خلال العقود السالفة. وهي المصدر الوحيد، إلى جانب طاقة الرياح المحدودة، الذي هو الآن جاهز للاستخدام في أي بقعة على وجه الأرض، وذلك من فضل الله.\n*نقلاً عن صحيفة "الاقتصادية" السعودية.

الخبر من المصدر