جمال الغيطانى: حُـكم «الإخوان» هزيمة للدولة المصرية الحديثة

جمال الغيطانى: حُـكم «الإخوان» هزيمة للدولة المصرية الحديثة

منذ ما يقرب من 11 سنة

جمال الغيطانى: حُـكم «الإخوان» هزيمة للدولة المصرية الحديثة

للروائي المصري "جمال الغيطاني" نحو خمسين كتاباً، ابرزها «الزيني بركات»، و «شطح المدينه»، و«التجليات»، و«اوراق شاب عاش منذ الف عام»، و«ساعات». بدا الغيطاني الكتابه ضمن ما يسمي جيل الستينات،\nالا انه وجد لنفسه مساحته الخاصه وراكم تجربه شديده الفراده. حصل علي جوائز عده مثل جائزه الدوله التقديريه، من مصر، ووسام الاستحقاق الفرنسي، وعمل لسنوات عده مراسلاً حربياً، واسس جريده «أخبار الأدب» وتراس تحريرها 17 عاماً.\n> صدر لك اخيراً كتاب «الازرق والابيض»، اين تضعه ضمن مشروعك الابداعي؟\n- الكتاب يسجل تجربتي مع المرض. القسم الاول منه يتضمن اليوميات التي نشرتها في جريده «الاخبار» القاهريه، بينما يرصد القسم الثاني لحظات اقترابي من الموت بخاصه قبل واثناء الجراحه الكبري الاخيره التي خضعت لها. لم تكن المره الاولي التي اقترب فيها من الموت، فقد اقتربت منه ايضاً اثناء عملي كمراسل حربي، وتلك التجارب جعلتني لا اتعامل معه بحزن وفزع. الموت ليس شراً، انما هو تغيير لحاله الانسان. «الازرق والابيض» محطه في الطريق للموت.\n> هل نستطيع ان نقول: ان رصيدك الابداعي يضم تجربتين اساسيتين، التجربه الصوفيه التي تمثلت في اعمال مثل «التجليات»، والتجربه التاريخيه، كما في «الزيني بركات»، و «هدايه اهل الوري في بعض ما جري في المقشره»؟\n- باستمرار اضع نفسي في غمار تجارب جديده. في بداياتي شغلتني فكره الخصوصيه، كنت اريد ان اكتب شيئاً لم اقرأ مثله. تكويني الثقافي يفرض عليّ تعدد التجارب، فقد درست الفن وتخصصت في السجاد البخاري، والفن يتماس مباشره مع التاريخ والاداب والكتابه، كما انشغلت دوماً باسئله وجوديه متعلقه بالزمن والوجود، بخلاف اني درست العماره واحببتها ربما بحكم نشاتي في القاهرة القديمة حيث الحضور الخاص للمباني العتيقه، كل هذا كان يقودني للوصول الي صوتي الخاص وبصمتي الذاتيه. للروايه العربية جذران، الاول «حديث عيسي بن هشام للمويلحي» 1907 وهو يستلهم السرد العربي القديم، و«زينب» لمحمد حسين هيكل 1914 والتي تعتمد معايير الروايه الغربيه. الروايه العربيه الحديثه انبنت علي مذهب روايه «زينب»، في حين اخترت انا ان استانف تجربتي في الخط الاخر.\n> هل اثر مشروعك في استلهام التراث، علي تنوع اعمالك او علي اساليب الحكي داخل كل عمل علي حده؟\n- بذلت مجهودات كبيره في الاطلاع والتجهيز لـ «الزيني بركات»، سنوات قضيتها في البحث، لكن بمجرد فراغي من كتابه الروايه، نحيت كل ذلك جانباً لصالح اعمال جديده، وكتبت «وقائع حاره الزعفراني» بلغه اخري وبناء اخر يعتمد الوثائق والملفات واللغه التقريريه المحايده. ايضاً تمثل «شطح المدينه» روايه مفصليه في رصيدي، حيث انتقلت لتراثي الخاص، ورؤيتي الذاتيه بعيداً من التماهي مع التراث، او الاعتماد علي الوثائق. ومع ذلك، ازعم ان لدي كل كاتب فكره كبري يخدمها وينوع عليها، وربما الفكره التي تسكنني دوماً هي فكره الزمن بكل ابعادها وما تستجلبه من مصائر وحيوات، كما انشغل ايضاً بفكره القمع بكل اشكاله واسبابه، لكن هذا لا يمنع من ان انشغل بالتجديد علي مستوي الحدث وتقنيات الكتابه مع كل عمل.\n> يبدو ميلك لاستلهام التراث كتوجه ثقافي مضاد لتيار عام يدعو الي ثقافه كونيه موحده، هل يضعك هذا في خانه الكتاب المحسوبين علي اليمين؟\n- لا اظن ذلك، لقد اعتُقِلت لفتره بتهمه اني شيوعي اتبع المدرسه الشيوعيه الصينيه، فكيف احسب علي اليمين؟ ايضاً للخلفيه الثقافيه والاجتماعيه التي جئت منها دور في ميولي، فدراستي وتكويني شكلاني علي نحو يدعوني الي قراءه واستلهام التراث. والحقيقه لا اجد تعارضاً بين ميلي للاتكاء علي التراث وبين باقي التوجهات الثقافيه، انا اقرا ابا حيان التوحيدي مثلما اقرا ايفو اندريتش.\n> تعرضت لوشايات بعد نشرك روايه «المؤسسه»؟\n- هذه الروايه تحتاج لاعاده قراءه، لان الاحداث التي رافقت صدورها لم تكن متعلقه بمستواها الفني، همس احدهم في اذن الاسره الحاكمه بان شخصية «زهره التيوليب» هي من افراد اسره الرئيس، وهذا كان كفيل بتعريضي لعواقب كارثيه، لكن تغلب صوت العقل وسُمح بمرور الروايه والموقف. والحقيقه ان العمل العام في المجال الثقافي وضعني دائماً في مرمي السهام.\n> لماذا تبدو فكره الزمن بتنويعاته هاجساً ملحاً في معظم اعمالك؟\n- عندما كنت صغيراً كنت اسال نفسي: اين ذهب يوم امس؟ دائماً ما اسرني سؤال الزمن، فنحن مدفوعون في اتجاه واحد منذ بدايه حياتنا، متي كانت بدايه الزمن؟ وهل كانت بدايه ضمن بدايه اخري اكبر؟ السؤال هو من اكبر المعضلات الانسانيه التي لا توجد لها اجابه. لكن التجربه الصوفيه وعلاقتي بابن عربي كانت دوماً المسكّن الانسب لتهدئه هذا السؤال الملح.\n> ربط ادوارد سعيد بين شخصيه «الزيني بركات» وشخص الرئيس عبدالناصر، كيف تري هذا الربط؟\n- صحيح وغير صحيح في ان. صحته تتمثل في ان شخصيه الزيني بركات افرزتها ظروف مجتمعيه وسياسيه تشابه فتره حكم عبدالناصر، حتي الاحاله التاريخيه لهزيمه مرج دابق تشير في طياتها الي نكسه 1967، من هذه الزاويه يبدو الربط سليماً، لكن في الجهه الاخري، الروايه لم تكن نسخاً للواقع، وقصر مدلول الروايه علي عبدالناصر وفترته فيه تسطيح وتصغير للروايه وتدخلها في مجال فن «الاوتشرك» الذي ساد في دول الانظمه الشموليه والذي يعبر عن فترات وشخصيات بعينها.\n> كيف تري تعيين وزير للثقافه في مصر يتردد انه من الموالين لجماعه «الاخوان المسلمين»، هل يندرج ذلك في «اخونه الدوله»؟\n- نعم هي الاخونه، والحقيقه الواحد من حين لاخر يضبط نفسه معجباً بقدره تلك الجماعه علي التمكين لنفسها والسيطره علي مفاصل الدوله، فقد اوحوا لنا بان وزاره الثقافه ليست ضمن خططهم لانها هامشيه وغير سياديه، وفجاه يسيطرون عليها بهذا الاختيار، والعامل الحاسم في هذا الاختيار ليس في الانتساب الي «الاخوان» بقدر الولاء لهم، والحقيقه نحن هنا لا نواجه حاله حزب يحتل مكان حزب اخر، انما هي دوله تحتل دوله. وصول هؤلاء للحكم ليس هزيمه لمبارك، انما هزيمه للدوله المصريه الحديثه التي بناها محمد علي باشا، ولذلك عندما حسمت الانتخابات الرئاسيه لصالح محمد مرسى كتبتُ مقالاً عنوانه «وداعاً مصر التي نعرفها»، لان «الاخوان» تنظيم اجنبي، تنظيم عالمي، من يحكم مصر الان هو فرع ذلك التنظيم في مصر، ولذلك اعتبرت وجودهم في سده الحكم في مصر بمثابه الاحتلال. وللاسف تاتي اخونه وزاره الثقافه بينما المثقفون ليسوا في افضل حالاتهم، يتحركون باستحياء وليست لهم مواقف حاسمه، ومحاولاتهم لا تعدو كونها مجهودات فرديه.\n> قلت ان كتابه القصة القصيرة بمثابه تمهيد لكتابه عمل اطول وهو الروايه، الا يبخس هذا حق القصه القصيره كفن مستقل؟\n- هذه المقوله تسري علي، فانا روائي في المقام الاول، نفسي طويل في الكتابه. القصه القصيره بالنسبه لي هي استراحه بين عملين كبيرين، هي مثل «بواقي النشاره» التي تفيض من النجار، هذا الفائض يصلح في حد ذاته كمشاريع قصص قصيرة، مثلاً قبل ان اكتب «الزيني بركات»، كتبتُ نصوصاً اقصر مهدت للروايه، «اتحاف الزمان بحكايه جلبي السلطان»، «غريب الحديث في الكلام عن علي بن الكسيح» وغيرهما.\n> ما مجموعه السمات المشتركه التي يجوز معها ان نصف مجموعه كتاب بالجيل؟ ما رايك في تصنيف الاجيال؟\n- ستجد جيل الستينات، وجيل 1947 في الادب الالماني، والجيل المهزوم في اميركا، لكن الحقيقه ان الادباء ليسوا دفعات، انا افضل كلمه «ظاهره» بدلاً من جيل، فهناك مثلاً كُتاب ظهروا في السبعينات الا ان حساسيتهم في الكتابه تحسب علي الستينات مثل عبده جبير ومحمد المنسي قنديل، والظاهره هنا تشير الي مجموعه خضعت لمؤثرات وتجربه واحده تقريباً، فجيل الستينات هم الذين كبروا علي ثورة 1952، هم ابناء ظاهره تموز (يوليو) وهم ايضاً ضدها وتمردوا عليها. قبل جيل الستينيين كان الكاتب عاده ابن الاسر الميسوره.\nلم تنبثق ظاهره اخري لتتجاوز الظاهره الستينيه سوي مع ثوره 25 كانون الثاني (يناير) 2011، بعضهم اسماء اثبتت حضورها قبيل الثوره، وتوهجت اثناءها وبعدها، اذكر منهم الطاهر شرقاوي ومحمد الفخراني وغيرهما.\n> هل تخشي علي حريه الابداع في ظل حكم «الاخوان»؟\n- في هذا المجال نحن محميون من قبل الغرب للاسف، وهذه حمايه نسبيه، ولكن ربما تشهد الفتره المقبله تضييقاً علي الابداع، اعتقد اننا سنشهد بلاغات من «مواطنين صالحين» ضد الناشرين بحجه ان هذا الكتاب او ذاك يحتوي افكاراً ضد اخلاقيات المجتمع.\n> دعوت في احدي مقالاتك لفتره انتقاليه مدتها ثلاث سنوات بقياده «المجلس العسكري»، وهوجمت بسببها، ما تقييمك للموقف في ظل الوضع الراهن؟\n- اليس هذا ما يُدعي له الان؟ نعم تعرضتُ لهجوم شرس، لكني اقول ما اراه من دون النظر الي العواقب، وكنتُ اتمني ان يتولي «المجلس العسكري» المرحله الانتقاليه كحكم لا كحاكم. واليوم اقول لك انا خائف علي الجيش من ميليشيات موازيه تحضرها قوي الاسلام السياسي وتحتفظ بها في سيناء. انا اعرف الجيش جيداً واثق في انه لم يقتل مصرياً واحداً، حتي في احداث «ماسبيرو». طرف ثالث هو من قتل.\n> ومن هو هذا الطرف؟\n- هو من ساعد (الرئيس) محمد مرسي علي الفرار من السجن، اعني التيارات الدينيه.

الخبر من المصدر