أفلام الحافظة الزرقاء.. ماش

أفلام الحافظة الزرقاء.. ماش

منذ 11 سنة

أفلام الحافظة الزرقاء.. ماش

لست ناقدا سينمائيا؛ لكني أعرف جيّدا تلك الأفلام التي هزّتني أو أبكتني أو أضحكتني أو جعلتني أفكّر طويلا.. أعرفها وأحتفظ بها جميعا في الحافظة الزرقاء العتيقة التي تمزّقت أطرافها، وسوف أدعوك لتشاهدها معي لكنها أثمن من أن أقرضها! معظم هذه الأفلام قديم مجهول أو لا يُعرض الآن، لكنها تجارب ساحرة يكره المرء ألا يعرفها مَن يحب.\nروبرت ألتمان، مخرج أمريكي كبير، له أسلوب مميز، وقد قدم للسينما أفلاما شهيرة مثل "ثلاث نساء" و"ماش" و"بوب آي" و"حديقة جوسفورد" و"اللاعب".. للرجل أسلوب صاخب مميز في الإخراج يوحي بتدفق الحياة؛ كل الشخصيات على الشاشة تتكلم في وقت واحد والإيقاع سريع جدا، هذه أفلام مربكة جدا في متابعتها وتشعر طيلة الوقت أن شريط الصوت مزدحم جدا، وأن هناك عبارات تقال في الخلفية لا علاقة لها بالقصة، هناك لقطات في فيلم اليوم تدور فيها أربع محادثات في نفس الوقت، على أن هذا يقرّب للمشاهد صخب الحرب وجنونها على كل حال.\nعلى أن أكثر عشاق ألتمان سوف يذكرون دائما فيلم "ماش M*A*S*H" الذي صار من علامات السبعينيات المهمة، وبلغ من نجاحه أنه تحوّل إلى مسلسل تليفزيوني، لعلك رأيت حلقات منه، لفظة ماش هي الحروف الأولى من عبارة:\nأي "المستشفى العسكري الجراحي المتنقل"، وهذا هو الفيلم الذي قدم عام 1970، عن قصة ريتشارد هوكر، وله بوستر جميل شديد الذكاء لكني لا أستطيع وضعه هنا، لكنه كان شائعا جدا وقتها حتى كأنه من ملصقات معاداة الحرب، فيلم ماش ساخر له طابع حربي، يحكي عن وحدة طبية خاصة بالجيش الأمريكي أثناء الحرب الكورية، ومع ثلاثة ممثلين هم دونالد ساذرلاند وتوم سكيرت وإليوت جولد.\nظهر هذا الفيلم في نفس الوقت الذي ظهر فيه فيلم حربي ساخر آخر هو "المطب 22 catch 44" لمخرج لامع كان قد انتهى قبلها من فيلم "الخريج" ذي الشهرة العظيمة، وقد توقع الجميع الفشل لماش لكنه ربح المنافسة، وفي ذات الوقت كان هناك فيلمان ضخمان هما "تورا تورا أورا" و"باتون"، وقد تبنى الجيش الأمريكي الفيلمين الأخرين لأنهما يظهران بطولاته.\nيذكر الناس كذلك أغنية الفيلم الرائعة "الانتحار غير مؤلم" التي لحّنها جوني ماندل، وهي تلقي أسئلة وجودية مهمة عن كينونتنا، وعما إذا كان هاملت محقا في سؤاله الشهير:\nالطريف أن ابن روبرت ألتمان المراهق هو الذي كتب كلمات الأغنية، تم استعمال الأغنية في العرض التليفزيوني فيما بعد، لذا نال الأب 75 ألف دولار عن إخراج الفيلم كله، بينما حصد الابن المراهق مليوني دولار عن الأغنية!\nعرض الفيلم في ذروة حرب فيتنام، مع هذا الكم من السخرية من الجيش الأمريكي، لهذا صار هو الفيلم المفضّل لدى الدول التي لديها مشكلات مع الولايات المتحدة، وهذا يضع فيتنام والاتحاد السوفيتي وكل الدول العربية في قائمة المعجبين.. حرب كوريا حرب غير عادلة بالتأكيد، لهذا يشعرنا الفيلم بلذة القصاص، على كل حال لا يوجد في الفيلم أي شيء يخبرنا أن هذه كوريا وليست فيتنام سوى عبارة للجنرال مكارثر في بداية الفيلم هي "فلنذهب إلى كوريا"، السبب هو أن الفيلم بصورته الأولى يوحي بفيتنام بشدة، وهذه تعتبر دعاية مضادة ضد الجيش أثناء حربه، لذا أصرّت الشركة المنتجة على وضع هذه الجملة على سبيل التحايل القانوني.\nشاهد الجزء الأول من الفيلم هنا:\nنحن في مستشفى ماش الذي يجري الجراحات للقوات الأمريكية في كوريا، الجو وكل شيء يذكرنا بحرب فيتنام، لا نرى أي معارك حربية على الإطلاق.\nهنا نلتقي بأبطال الفيلم الثلاثة، هؤلاء هم القردة الذين لا يكفّون عن الصخب وإحداث المشكلات في كل لحظة وكل مكان، وهم يفعمون الفيلم بالحيوية، بيرس وجون وديوك، أحدهم يحمل في جيبه برطمانا مليئا بالزيتون لو دعاه أحد لكأس مارتيني! أنت تعرف دونالد سوذرلاند طبعا من حلقات "بافي قاتلة مصاصي الدماء"، هذه هي أعوامه الأولى عندما كان اكتشافا عبقريا جديدا.\nهذا أول فيلم يرينا السخرية والمرح في لقطات واحدة مع الدماء المنبثقة والجروح المتفجرة، والأمر يشبه السلخانة، حيث تتناثر الأطراف في كل مكان، ويتبادل الأطباء النكات وهم يبترون أجزاء الجنود.\nأما تسلية الأطباء الأساسية فتأتي عندما تظهر ممرضة متصلبة تلبس الزي العسكري وتفخر دوما بأن "الجيش هو وطني الوحيد"، هكذا يكون هدف الأطباء الثلاثة هو فضحها، خصوصا أنهم يدركون على الفور أنها تمارس تديّنا مزيفا.. وهناك مشهد شهير جدا عندما تنفرد بأحد الضباط في خيمة لتنفجر عواطفها المكبوتة، فيقومون بوضع مكبر صوت ينقل الأصوات المشينة إلى الخارج ليسمعها المعسكر كله! هناك مشهد شبيه بهذا قدّمه خيري بشارة في "قشر البندق".\nيكون رد فعل القائد هو ترحيل الضابط الذي انفرد بكبيرة الممرضات إلى مستشفى المجانين.\nشاهد مباراة كرة القدم العنيفة والممرضة تصيح "لقد قتلوه":\nهناك مشهد ساخر شهير جدا بدوره، عندما يصاب أحد الضباط باكتئاب فيقرر الانتحار، من هنا أغنية الفيلم، لهذا يعد له الأطباء نوعا من "العشاء الأخير" ويفرشون له تابوتا لينام فيه، هنا يستخدم ألتمان إمكانيات الإضاءة والديكور ليعيد إلى الأذهان بالضبط لوحة العشاء الأخير لدافنتشي، يقنعون الطبيب بأن يبتلع كبسولة السم، الحقيقة أنها كبسولة منوّمة، ثم يقنعون ممرضة بأن تمضي الأمسية معه حتى يصحو.. عندما يفيق صباحا يكون الاكتئاب قد زال..\nآخر عبارة في الفيلم هي من جندي يرحل عائدا للوطن وهو يردد:\n"يا له من جيش لعين!".\nرسالة السخرية هذه كانت قوية جدا ولاقت أكثر من أذن صاغية، بل إن المقهورين مثلنا اعتبروها نوعا من الانتقام، في النهاية هي حرب غير عادلة وغير مبررة.. ويظل السؤال معلقا: لماذا ذهبتم هناك أيها الأمريكان؟ وهكذا نال الفيلم نجاحا ساحقا وقتها، ولم يحتمل المشاهدون أن يبتعدوا طويلا عن المستشفى العسكري المتنقل، لذا ولدت الحلقات التليفزيونية التي تحمل نفس الاسم.\nنال الفيلم جائزة أوسكار أحسن سيناريو، لكن المؤلف لم يكن سعيدا بها بتاتا لأن معظم السيناريو الذي كتبه لم يظهر على الشاشة.\nشاهد لقطات من الفيلم هنا مع أغنيته الشهيرة:

الخبر من المصدر