السلطة لا تزال ملقاة في الشوارع | المصري اليوم، أخبار اليوم من مصر

السلطة لا تزال ملقاة في الشوارع | المصري اليوم، أخبار اليوم من مصر

منذ 11 سنة

السلطة لا تزال ملقاة في الشوارع | المصري اليوم، أخبار اليوم من مصر

«حق ممارسه واحتكار العنف» يبدو ابسط واعمق تعريفات الدوله، حقها الذي تقر به طبقات عريضه من المجتمع، ما يسمح باعتبار الخارجين علي هذا الحق مجموعه من «البلطجيه»، حق احتكار العنف / السلطه هذا يتم تفسيره بطرق مختلفه، من يري مثلا انه حق ناتج عن عقد اجتماعي بين فئات المجتمع المختلفه تقوم بتفويض اناس معينين للحكم ولممارسه العنف، ومن يراه نتاج مصالح طبقات حاكمه تحاول الحفاظ علي الوضع الحالي وتحمي مصالحها، وتقوم بانتاج «خطابات» تروح لهذا الحق وتفسره فتجعل بقيه الطبقات تري هذا الاحتكار للعنف «طبيعا وبديهيا».\nلتفكير اكثر جديه في مساله الدوله ينبغي تعريه العنف من التنظيرات التي تغلفه، اجهزه الدوله الامنيه عباره عن مجموعات تحمل بنادق وتقود دبابات وطائرات، و«البلطجيه» هم ايضا عباره عن مجموعات تحمل اسلحة بيضاء، واحيانا اسلحه ناريه خفيفه دون دبابات ولا طائرات.\nتفترض النظريه الماركسيه مثلا ان الدوله بالتعريف دوله تقوم علي خدمه مصالح طبقيه معينه، ويكون العنف المادي وسيلتها لاخضاع هؤلاء الذين لا نصيب لهم في الثروه والسلطه، بجوار هذا العنف المادي تنسج هذه الطبقات خطابات تجعل الوضع الحالي «وضعا طبيعيا» ولا خلل فيه، وبالتالي لا تطرح تغييره، بمقدار ما تنجح هذه الخطابات في الوصول لفئات عريضه من المجتمع، يحدث ما يسميه جرامشي بـ«الهيمنه الايديولوجيه» اي هيمنه علي كيفيه تفكير الناس ووعيهم بذاتهم وبمجتمعهم وبنظرتهم للدوله ولعنفها، تلك الهيمنه التي تجعل بعض الناس يتكاسلون عن الدفاع عن حقوقهم، لانهم يرون ان فقرهم مثلا نتاج كسلهم وبلادتهم، وليس نتاجا لاحتكار الثروه من قبل الاغنياء\nوبالتالي تتم المواجهه بين الدوله علي مستويين، مستوي مقاومه عنفها المادي علي المهمشين، ويكون هذا موجودا دائما ومتناثرا في كل مكان، ومستوي تعريه خطاباتها الايديولوجيه، ليصبح عنفها عنفا خالصا، في مرحله العنف الخالص لا يعترف احد من المهمشين بحق الدوله في ممارسه العنف عليه، وهو ما يحدث الان.\nالحدث المؤسس لهذه الثوره هو اقتحام اقسام البوليس والسجون، هجوم فئات مختلفه المصالح والمزاج من المجتمع علي الاجهزه الامنيه التي تدعي ان لها الحق في ممارسه العنف، لم يعودوا يعترفون بحقها في ذلك، حينها انهار هذا النظام باجماع كل هذه الفئات علي عدم اهليه هذه الاجهزه لممارسه العنف عبر سنوات طويله تمت تعريه هذه المؤسسات الامنيه من اي شرعيه، هتف الناس ضدها لسنوات طويله، نشروا مشاهد التعذيب في الاقسام، سجن الكثيرون في هذه السجون بلا ذنب، لم تكن هذه الاجهزه قادره علي الدفاع بشكل جدي عن نفسها، لم يعد لهذه الاجهزه اي غطاء خطابي تدافع به عن نفسها، مع اول تحدِ حقيقي لها، انسحبوا من الشوارع، وانهزموا في المعركه، ليتولي الامر الجيش الذي لم يكن قد واجه ما واجهته هذه الاجهزه من تعريه، وفضح لسنوات عديده، ولم يكن افضل منها في شيءلتمارس الدوله عنفها يجب تغطيه هذا العنف بخطابات كثيره، وابقاء هذا العنف علي هامش المشهد كانه لا يحدث، وباسكات فئات متزايده من هؤلاء الذين يعكفون علي صياغه الخطابات الايديولوجيه، لكن دوله مبارك كانت قد اقصت الاسلاميين واليسار والليبراليين اي كل هؤلاء الذين بوسعةم الدفاع عنها بحجج مختلفه، وكانت سياستها الاقتصاديه تتعارض مع مصالح اغلبيه الناس، لصالح طبقه ضيقه جدا داخل رجال الأعمال، لم يكن هناك اصحاب مصلحه حقيقيه في بقاء مبارك الا قله من رجال الاعمال والعسكر، وعليه كان انهيار هذه النظام سريعا ومفاجئا، اصبحت السلطه ملقاه في الشوارع، ولم يكن هناك من اتفاق فعلي علي ماهيه وحدود «الدوله المطلوبه».\nمحاولات إعادة إنتاج عنف الدوله مره اخري\nما واجهناه بعد الثوره هو السعي لاعاده انتاج حق الدوله في احتكار العنف، ان يمسك احد بالسلطه الملقاه في الشوارع، حاول العسكر وتحالفهم مع الاخوان وبعض اجنحه الليبراليين انتاج هذا الحق بخطابات الاستقرار والثائر الحق وعجله الانتاج واللي يحب مصر ما يخربش مصر، دون اي محاوله جديه من هذا التحالف لتوسيع اطار المصالح التي تعبر عنها هذه الدوله، قام التحالف بتهميش فئات متزايده من الثوار، ومحاربتهم، هاجموا الاعتصامات والاضرابات، متحججين بان هذا ليس وقته، كان هذا صحيحا، بالنسبه لهذا التحالف كان وقت اعاده «عنف الدوله» بغطاء ديمقراطي، ودون الاكتراث لحقوق كل المهمشين الذين قاموا بالثوره اصلا.\nاعاده انتاج حق الدوله في احتكار العنف بغطاء ديمقراطي كانت متاحه بالفعل، لولا اصرار الاخوان علي فرض اطار سياسي ضيق جدا، لا يسع غيرهم، قاموا بتهميش نفس المهمشين، واضافوا اليهم مهمشين جددا، اي ان السياسيين الاخرين المختلفين معهم مارسوا طائفيه قذره بخطابات تحمل المسيحيين كل شيء واي شيء يحدث في البلد، وتجعل اي تحرك يتواجد مسيحي به تحركا مشبوها كانه لا يحق للمسيحيين الكلام، هذا كله مع دفاع مستميت عن كل مظاهر عنف الدوله، نظروا لفض الاعتصامات والاضرابات، حاولوا سن قوانين تحد من حريه التظاهر، وقاموا بفض اعتصام الاتحاديه بايديهم، وساروا في نهج اقتصادي يميل لمصالح رجال الاعمال، وبدا واضحًا ان «مشروع النهضه» عباره عن صفحات قليله من الانشاء البلاغي الركيك ليس اكثر، ليس سهلا ابدًا انتاج عنف سلطوي من قبل الدوله بمثل هذا التحالف المتهافت، ومع كل تلك المقاومة.\nلاكتساب التعاطف اثناء محاولتهم اعاده انتاج نفس الدوله الظالمه، راي الاسلاميون الشريعه مدخلا جيدا يتم من خلاله انتاج عنف الدوله والسلطويه التي يسعون اليها والشكل السلطوي للشريعه كما يرونها، لكنهم تخطوا ذلك لمحاولات بهلوانيه تجعل الشريعه شعارا عاما يغطي اي محاوله لممارسه الظلم والعنف علي الناس.\nلينجح الاخوان، ومعهم حازمون والسلفيون، في انتاج احتكار الدوله العنف مره اخري، يلزمهم، نظرًَا لكل تلك الفئات التي يهمشونها، بممارسه درجه عاليه جدًا من العنف، مشكله الحد الأقصى من العنف انه يكون مصاحبًا بالضروره بالحد الادني من الشرعيه، لان العنف في درجته القصوي يكون عاريًا من اي غطاء، محض حرب، ولا يمتلك الشرعيه فعلًا الا حينما يتمكن من الانتصار التام علي كل مصادر العنف المضاد والمقاومه من المهمشين، وهو ما يعتمد علي مدي مقاومه الاخرين له، وهو ما يبدو ان هناك من قرروا المضي في المقاومه حتي النهايه.\nالحل الابسط للوصول لاستقرار حقيقي كان دائمًا انتصار الثوره، اي السعي لنظام يسع الجميع بعدالة اجتماعية حقيقيه، لم يحدث ذلك، كل ما يحصل الان يدل علي ان فئات متزايده من المجتمع لاتري للدوله الحق في احتكار العنف هذا، ولا حتي في ممارسه العنف، وتقوم بالمقاومه الفعليه لهذا العنف، لم ينجح التحالف الحاكم الان في «الهيمنه الايديولوجيه علي المجتمع»، ومع تنظيم مغلق، ووعي طائفي وسياسيه راسماليه تحارب الفقراء، وفقر سياسي، وانعدام اي خطط جديه، لا يبدو ان هذا سيكون سهلًا، حتي ان اصبحت كل مظاهراتهم تحمل عنوان «كذا كذا.. والشريعه»، السلطه لا تزال ملقاه في الشوارع، ومن يحاول التقاطها تحرق يده.

الخبر من المصدر