أين نحن من شروط النهضة؟

أين نحن من شروط النهضة؟

منذ 11 سنة

أين نحن من شروط النهضة؟

ثلاثه شروط ضروريه ولازمه لا تنهض الامم الا بها: نخبه مخلصه، ورؤيه واضحه، وادماج حقيقي لجميع فئات المجتمع لانجاز مشروع للوطن. ثم بعد ذلك تاتي الاستراتيجيات والبرامج والخطط والتفاصيل والابداعات.\n فاين مصر الان من هذه الشروط، وهل نملك من عناصرها ما يساعدنا علي تاسيس نهضه حقيقيه او حتي علي تجاوز هذه المرحله الانتقاليه التي اريد لها عمدا ودون دواع ملحه ان تزيد تكلفتها السياسيه والاقتصاديه والاجتماعيه علي معظم الشعب الي ان اصبح اقتصاد البلاد في حاله تراجع رهيبه واصبح بناء التوافق السياسي والمجتمعي من المستحيلات وبات منطق التكذيب والتخوين والاقصاء هو اللغه الدارجه في الكثير من برامج المكلمات الفضائيه والصحف وسائل الاعلام.\nالنخب في مصر ــ او لنقل كثير منها ــ انتفخت عُجبا بانفسها وخيلاء بما تراه هي الصواب المطلق، ولا ولن تهدا حتي تكون كلمتها هي العليا وكلمه من خالفهم السفلي. نخب مهمومه بالسلطه او بالتطلع اليها وازاحه من فيها باي ثمن، لا تريد ان تقر بقله خبرتها ونقص كفاءتها وعجزها عن تقديم رؤي متكامله وبدائل واضحه للخروج من هذه المرحله الصعبه. نخب مستعده للحشد والحشد المضاد واللجوء الي منطق «عليّ وعلي اعدائي» حتي ولو كان الثمن العبث باستقرار الوطن وامن وطمانينه ابنائه وتبديد الامل في الخروج من هذا النفق المظلم.\nنخب تتفنن في اهدار كل استحقاق سياسي لهذه الثوره وتعمد احداث حاله فراغ مؤسساتي، بدا بالحشد لحل مجلس الشعب ولو تواطا مع المجلس العسكري، ثم حل الجمعيه التاسيسيه والاستمرار في التشكيك في شرعيتها، ثم المسلسل القادم قريبا وهو رفض مسوده الدستور واعاقه انتخابات مجلس الشعب والتئام سلطه تشريعيه تستطيع ان تصدر القوانين اللازمه لتطهير المؤسسات وتمكين الثوره، ثم بعد ذلك ندخل في صراع المطالبه برحيل الرئيس المدني المنتخب ونفتح الابواب علي مصاريعها لعوده حكم العسكر المباشر مره ثانيه او لثوره اجتماعيه لن تدع او تذر. نخب لا تابه ان تاخذ كل الوطن واماله ومستقبله رهينه لمصالحها الضيقه ومناوراتها العقيمه.\nمر عامان تقريبا علي الثوره ولا تزال الرؤيه غير واضحه والبوصله ضائعه. لا نتحدث هنا عن برامج مصنعه للاستخدام الانتخابي والهاء الجماهير. فهذه كثر كما اظهرت الحملات المختلفه لمرشحي الرئاسه الذين علي الرغم من تعدد برامجهم الرئاسيه الا انها تشابهت علينا وظهر فيها عدم التميز والتطابق الممل وعدم القدره علي الهام الناخبين.\nالجميع تحدث عن الانسان المستهدف من التنميه والتعليم والصحه والضرائب التصاعديه ومشروع تنميه منطقة القناة واستقلال الاراده، والجميع كذلك فشل في ادراك الهدف الاساسي من وراء ايه رؤيه يمكن ان تصلح لنهضه امه وتحشد شعبا. ببساطه شديده الجميع فشل في تجسيد الحلم.\nالرؤيه الملهمه للامم يجب ان تتوفر علي عناصر اساسيه يمكن ان نجد كثير منها مجتمعه في نماذج الدول الناهضه حديثا نسبيا مثل كوريا وماليزيا وسنغافوره وغيرها.\nالعنصر الاول هو صناعه التحدي. الامم التي نهضت هي تلك التي استشعرت التحدي واستحضرت جليا المخاطر التي تهدد وجودها وبقاءها. وهذا اشد درجات من مجرد الحديث عن ازمات اقتصاديه او اجتماعيه او سياسيه، ولكن التحدي هنا هو تحدي بقاء ووجود، كان تواجه امه خطر الكوارث الطبيعيه المدمره او الغزو المباشر او المحتمل الذي يسعي لتحطيم اراداتها في الاستقلال ومحو هويتها او خطر التفكك والانهيار الداخلي التام المنذر بزوال الدوله والمجتمع. هكذا كان حاله كوريا وخطر التهديد الياباني ثم الشيوعي، وسنغافوره وتحدي تاكيد الوجود والتفوق وسط دول اكبر من هذا الكيان الصغير، وماليزيا وتحدي التفكك والتخلف وتغلب العنصر الصيني والهندي علي السكان المالاي الاصليين المهددين ان يصبحوا مواطنين من الدرجة الثالثة. من هنا ياتي التركيز علي النخب ثانيه، نخب من نوعيه لي كوان يو ومحاضير محمد ورجب طيب اردوغان. تلك نخب اخري ليست علي شاكله التي لدينا، نخب مخلصه ومبدعه وقادره علي الاستجابه للتحديات بفاعليه وعلي النهوض بشعوبها لمواجهه تلك المخاطر، نخب تضع الوطن ومصالح شعوبها ــ وليس مصالحها الخاصه وشخوصها المنتفخه ــ بين اعينها وفي قلبها.\nيتمثل التحدي القائم لمصر في تلك المرحله في امرين اساسين: وحده الجماعه الوطنيه التي اصبحت مهدده بالفعل كجماعه سياسيه، والتي دون وحدتها وسلامتها لا يمكن ان تعبر مصر الي النهضه وان يتحقق لها ارادتها المستقله ومكانتها الاقليمية التي تحمي بها وجودها. والتحدي الاخر هو تمكين الثوره، لانه اذا فشلت هذه الثوره في مصر فقد تودع من الربيع العربي باكمله، ومن ان نري منطقتنا تنعم بالحريه والكرامه والعدالة الاجتماعية. هذا فشل لا قدر الله ينذر باوضاع اسوا من التي ثُرنا عليه. تحديان مباشران يتوقف مستقبل مصر والثوره علي الاستجابه الفعاله لهما.\nيتمثل العنصر الثاني في تجسيد الحافز للنهوض. تنهض الامم اذا استشعرت الحافز والدافعيه للتقدم. ويبدو هذا مطلبا ماديا ولكنه ضروريا لبعث الهمه وتوجيه البوصله. راهن حزب العدالة والتنمية التركي علي حافز الانضمام للاتحاد الاوروبي كي يمرر العديد من سياساته ويحشد الدعم الشعبي والدولي لها ويحيد العلمانيين من الاتراك الحالمين بان تصبح تركيا جزءا من اوروبا. واتخذ سياسات حازمه وفعاله ضد الفساد ولتدعيم الحكم المدني والتخلص من سطوه المؤسسه العسكريه علي الدوله واحترام حقوق الانسان وحقوق الاقليات وارساء الحكم لرشيد. اما في مصر فحافزنا بسيط وواضح وهو الارتقاء بالمواطن المطحون وتحقيق تنميه متوازنه مستدامه تكفل للجميع حياه انسانيه كريمه وتعيد لمصر المكانه الاقليميه والرياده اللائقه بها في المنطقه كدوله مركز وليست دوله هامشيه.\nالعنصر الثالث هو تجسيد الحلم وصناعه الامل. كل الامم الناهضه جسدت حلما وصنعت املا ان تصبح دوله صناعيه كبري مثلا او قوه تجاريه عظمي او قوه اقليميه مؤثره او امه حره مستقله وشعب سيد يملك زمام ارادته وقراره. فالامم التي تتوقف عن الحلم وتفقد الامل في ان تصبح شيئا عظيما هي امم جامده ميته تسلم زمامها لمن يستبد بها ويبدد طاقاتها. ولعل الدعم الشعبي الذي ظاهر عمر سليمان عندما اعلن عن نيته للترشح لرئاسة الجمهورية واحتمالات اكتساحه لها لو كان استمر في المعركه الرئاسيه وكذلك ملايين الاصوات التي حصل عليها احمد شفيق واحتمال عوده فلول النظام السابق ولو بثياب مختلفه دليل واضح علي نجاح من اداروا المرحله الانتقاليه في قتل الحلم والامل لدي المواطن الذي اصبح ينظر «لنموذج رجل الدوله» ــ حتي وان كان قد سامه العذاب من قبل ــ علي انه المخلص والمخرج من هذه المرحله القلقه. وللثوار ايضا في هذا التفريط نصيب كبير.\nاخيرا تحديد الهدف المشترك. توجيه الامه للتركيز علي المستقبل وترك الماضي وراء ظهرها وتحقيق الهدف المشترك كان سر نجاح ماليزيا كما اكد مرارا محاضير محمد. وليس هذا تواضعا ممن صنع حلم النهضه لبلاده وانما ادراكا منه لاهميه استحضار المستقبل كبوصله لتحديد المسار المشترك للامه ولتحديد الاهداف التي تسعي الي تحقيقها داخل اطر زمنيه متعاقبه وترتيب تلك الاهداف واولوياتها وتحديد الموارد اللازمه لتحقيقها والكفاءات الضروريه لتنفيذها.\nاذن مشروع النهضه لا يمكن ان يكون مشروع رئيس او جماعه او حزب، وانما هو مشروع امه وشعب. ولا يمكن ان ينجح دون مشاركه وادماج جميع اطياف المجتمع فيه واشعارهم بملكيتهم التامه لهذا المشروع ومساهمتهم فيه والتفافهم جميعا حوله. فاين نحن من شروط النهضه

الخبر من المصدر