الأخلاق والسياسة

لرئيس جامعه السوربون بباريس (ريمان بولان) كتاب صغير الحجم عميق الفكر، ثري المعلومات، اسمه (الاخلاق والسياسه)، عرض لبعض ما فيه العلامه ابو عبد الرحمن بن عقيل الظاهري، في دراسه له بعنوان (فواصل في مازق الربيع العربي).

وفي الكتاب نقطه مهمه ذكرها السيد (ريمان) وهي انه عدَّ الاخلاق بلا سياسه وهما! فمن الاوهام ان يظن المرء ان الاخلاق الفاضله والقيم الصالحه التي يتمثل بها المرء هي جوهره، تتلوث بممارسه السياسه!!

والحقيقه ان السياسه عمليه تبحث عن الحق في شقها الايجابي، وهذه بؤره الاخلاق، وسر القيم! فما قيمه اخلاق لا تبحث عن الحق، وتتواري عن المطالبه به؟ ما قيمه ان تكون المصالح للانا وما حولي فقط، وتغيب عن صالح الاخرين؟

كل عمليات الاصلاح في الارض التي ذكرها الله في كتابه علي لسان انبيائه: (اِنْ اُرِيدُ اِلاَّ الاِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) [هود: ٨٨] هي لب عماره الارض كما اراد الله.

والسياسه التي هي حسن التدبير تخـتلف من حال لحال، ومن انسان لاخر، فسياسه النفس غير سياسه الاخرين، وسياسه الاسره غير سياسه الجماعه، وسياسه الجماعات غير سياسات الدول، وهكذا.

فالكل يمارس فن السياسه، وحسن التدبير، ولكن بتفاوت، نظرا لاختلاف الطبائع البشريه، والمهارات الذاتيه، والتجارب الحياتيه، والعلوم المعرفيه، والهموم الفكريه.

و(السياسه) قد تكون البوابه الاوسع للوصول لاعلي درجات الجنه!.

فاذا تاملنا النص النفيس في دور الامام السياسي مع رعيته والذي يذكره الامام ابن حزم الأندلسي، وفيه يقول: (ياخذ الناسَ السلطانُ بالعماره، وكثره الغراس، ويُقطعهم الاقطاعات في الارض الموات، ويجعل لكل احد مُلك ما عمره، ويُعينه علي ذلك، فبذلك ترخص الاسعار، ويعيش الناس والحيوان، ويعظم الاجر، ويكثر الاغنياء، ويكثر ما تجب فيه الزكاه، ولا يمنع الامام من البنيان الواسع، وان يبلغ به غايه الاتقان والقوه، ولكن يمنع من التزويق والزخرفه وما اشبه ذلك).

اقول: لو تاملنا هذا النص، لفهمنا قيمه سياسه الناس، نحو ما يريد الله من عماره الارض، كما يريد، بما يريد.