الرقباء وتابوهات السينما الدين.. السياسة.. الجنس (4)

الرقباء وتابوهات السينما الدين.. السياسة.. الجنس (4)

منذ ما يقرب من 12 سنة

الرقباء وتابوهات السينما الدين.. السياسة.. الجنس (4)

إذا كانت السينما مرآة الواقع، تبقى الرقابة بوابة العبور إلى هذا الواقع، تفتح الطريق إلى جزء منه تارة وتغلقه تماما تارة أخرى وفقا لطبيعة النظام السياسى الحاكم الذى يسمح ويمنع وفق إشارات يبعث بها «الرقباء» أو «حراس الباب».. ونحن على أعتاب الجمهورية الثانية يبقى السؤال المحير عن مصير الرقابة على المصنفات الفنية فى النظام الجديد وكيف ستتعامل مع التابوهات الثلاثة (الدين.. السياسة.. الجنس) التى ظلت الهاجس الأكبر للرقباء.\nوإذا كان استشراق مشهد المستقبل لا يتأتى إلا بقراءة صورة الماضى، تفتح «الشروق» ملف الرقابة ومصيرها من خلال سلسلة حوارات مع أشهر «الرقباء» السابقين فى محاولة لرسم السيناريو المقبل من خلال ما مروا به من تجارب وهم على رأس بوابة عبور السينما للواقع.\n لم أرفض فيلمًا واحدًا خلال رئاستى للرقابة.. والرقيب يمكنه المواءمة بين جميع الأفكارالناقد السينمائى على أبوشادى كان له حظ تولى منصب رئيس الرقابة مرتين، الأولى بين عامى 1994 و1999، وهى الفترة التى يطلق عليها مرحلة «اقتحام المحظورات»، ويرى أن أهم إنجازاته فى جهاز الرقابة قد تحققت فى تلك الفترة، أما الثانية فهى بين عامى 2004 و2009، ويسميها فترة «ملاحقة الحرية المتاحة»، والتى وقعت فيها الرقابة فى مأزق ملاحقة الفضائيات التى رفعت سقف الحرية إلى آفاق واسعة، وجعلت ما يجيزه الرقيب لا يتناسب مع مساحة الحرية المتاحة فى القنوات الخاصة، وفى هذه الحلقة يروى لنا أبوشادى خلاصة تجربته كرقيب لفترة، شهدت حراك جماهيرى نحو الحرية والتغيير، كما شهدت أيضا ظهور نفوذ قوى لتيارات تناهض الفن وحرية الإبداع.\nالرقيب أصبح عاجزا عن ملاحقة انفتاح المجتمع بعد انتشار الفضائيات\nينطلق أبوشادى فى حديثه معنا من البداية، وعندما تم اختياره لشغل المنصب، وكيف جاء بعد فترة سيطرت عليها معايير أخلاقية فى الحكم على الأعمال الفنية، وهو ما جعل قراراته المنحازة لحرية الإبداع تلقى صدى كبيرا، وأن مجرد تمرير مشهد أو جملة فى حوار يحدث حالة من الاهتمام الإعلامى، وضرب مثلا بمشاهد حرق العلم الإسرائيلى، والذى رآه الناس إنجازا كبيرا.\nويعلق بأنه لا يرى فيما قدمه بتلك المرحلة ليس بطولة أو خروجا على حدود عمله كرقيب، لكنه كان يرى أن دوره هو تطبيق القانون، وأن الرقابة يحكمها قانون مرن يمكن التعامل معه لتمرير أشياء كانت قبل ذلك ممنوعه لأسباب هى فى حقيقة الأمر غير منطقية، وفى تلك الفترة تم التصريح لأعمال لم يكن ممكنا التصريح بها من قبل، وذكر منها «المصير» و«صعيدى فى الجامعة الأمريكية»، و«أرض الخوف».\nويشير أبوشادى إلى خوضه للعديد من المعارك فى تلك المرحلة، وقال إن معاركه لم تكن فقط من التيارات الدينية، التى طاردتنا بالدعاوى القضائية، وطلبات الإحاطة فى مجلس الشعب، ولكنها أيضا كانت من المبدعين أنفسهم، والذين وجهوا اتهامات باطلة لجهاز الرقابة بسبب بعض الاعتراضات، رغم علمهم بأنهم يقدمون أعمالا دون المستوى، ومزايدات لا مبرر لها.    \nوعن المرحلة الثانية قال إنه بعد الانتشار الواسع للقنوات الفضائية والخاصة أصبحت الرقابة عاجزة عن ملاحقة حالة الانفتاح الذى شهده المجتمع، وأصبح ما يُقال على شاشة التليفزيون وفى الصحف أكثر بكثير مما تستطيع الرقابة التصريح، به الرقابة التى تعمل من خلال قانون لا يمكن تجاوزه.\nويشير أبوشادى إلى أن تلك الفترة شهدت معارك ضارية، كان أهمها إجازة  فيلم «هى فوضى» للمخرج الكبير يوسف شاهين، والذى واجه اعتراضات ممن رأوا أن اسم الفيلم يعد تقرير واقع وأنه يصف حال مصر فى تلك الفترة من حكم الرئيس السابق بالفوضى، ورغم قناعتى بأن هذا الكلام صحيح وأن هذا ما يقصده شاهين، لكننا تفاوضنا لتمرير الفيلم، وقلت ساعتها بأن عنوان الفيلم استفهامى، وطلبت بوضع علامة استفهام فقط فى إفيشات الفيلم، وكل ما تم حذفه من الفيلم هو 30 ثانية فقط.\nويعلق أبوشادى بقوله: «تلك المواقف ليست تمردا على القوانين، لا ادعاء للطولة فى مثل هذه القرارات سواء فى عهدى أو أى عهد آخر، ولكن كل رقيب يتصرف وفق اجتهاده وثقافته، وفكرة أنه يستطيع تمرير ما يرد هى فكرة غير صحيحة، لأن الرقيب نفسه مراقب 24 ساعة، ولكن يمكنه المواءمة بين الأشياء».\nوأضاف: «أزعم أننى لم أرفض فيلما واحدا خلال فترة رئاستى للرقابة، وفكرة مناقشة نقاط الخلاف مع المبدعين هى إجراء قديم، وهى الأصل فى المسألة، التى ترتبط بالثقافة وليس بالرقابة حتى نتوصل إلى تمرير الرؤية بما لا يخالف القانون».\nشورى النقاد فكرة نبيلة شابها فتح الباب للجميع\nيجيب أبوشادى عن سبب عدم اعتماده على لجان شورى النقاد بقوله إنها مظهر من مظاهر الزخم إلاعلامى أكثر منه إجراء قانونى، ورغم أنها شكل حضارى جميل فإنها كانت ضد القانون، فتنفيذها شابه لفظ «الباب مفتوح لمشاركة الجميع، خاصة وأن تلك اللجان كانت تستعين بأعداد كبيرة، دون وجود تقارير تُحَمّل المشاركين فى التصويت مسئولية إجازة أو منع العمل الفنى، وكان يمكن للمنتجين توجيه القرار بحشد أصوات لصالح العمل الذى يخضع للتصويت، وكان الأولى هو تفعيل لجان شورى المنصوص عليها فى قانون الرقابة إذا لزم الأمر، والتى كانت تشكل بقرار وزارى، وكانت تضم مجموعة من المفكرين والمبدعين والنقاد ممن يتمتعون بثقل فى المجتمع والأوساط الثقافية».\nوأشار إلى تجربته مع فيلم جمال عبدالناصر، والذى تشكلت لجنة لاتخاذ قرار بشأنه، بعد أن عجزت الرقابة فى البت فى أمره بسبب حالة اللغط التى أثيرت حول المناطق الخلافية فيه، وتوثقها تاريخيا، وضمت اللجنة قامات ثقافية من بينهم يونان لبيب رزق وعبدالعظيم رمضان، صلاح عيسى وسمير فريد وسيد ياسين وأمينة الجندى، وتلك اللجنة هى التى أجازت الفيلم.\n«ابن الرئيس» سيناريو لم يعرض على الرقابة.. واعتراضات\n «سقوط بغداد» لم تكن سياسيةفى رده عما تردد حول مشكلات مع فيلم «ليلة سقوط بغداد» بسبب تصوير وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس كفتاة ليل، قال أبوشادى إن الاعتراضات كانت على مشاهد تجاوزت حدود الكوميديا، وسعت لإضحاك المشاهد بأمتهان للإنسان المصرى والجيش المصرى، ورأت الرقابة أنها مشاهد لا تليق بعمل فنى، فالمسألة كانت بشأن حس عام وليس خلاف سياسى.\nوعن فيلم ابن الرئيس الذى قيل إنه تم رفضه، أكد أبوشادى أنه لا يوجد فيلم بهذا الاسم، لكن كان هناك سيناريو كتبه يوسف معاطى ليلعب بطولته عادل إمام مع ابنه محمد إمام، وهذا السيناريو لم يقدم للرقابة، ولكن كل من قرأ السيناريو قال إنه لا يرقى لاسم يوسف معاطى أو عادل إمام، ومن هنا توقف المشروع من تلقاء نفسه.\nشجاعة الكتابة هى التى مررت أفلام شاهين ووحيد وخان وداود \nنفى على أبوشادى بقوة ما تردد عن انحياز الرقابة فى عهده لبعض المبدعين، وأنها مررت أعمال لعادل إمام ووحيد حامد لم تكن لتمر لو قدمت من آخرين، وقال أبوشادى إن أعمال كاتب مثل وحيد حامد تدافع عن نفسها بنفسها، فشجاعة الكتابة هى التى مررت هذه الأعمال وليس الرقيب أو أمن الدولة كما يُقال، أضاف أن النص الذى يقدمه الكاتب هو الذى يعطى مادة تمكن من الدفاع عنها، ومنها أعمال يوسف شاهين وحيد حامد التى أصبحت نبوءة تحققت فى الواقع، أما المزايدات التى يقدمها البعض فلا يمكننا الدفاع عنها كعمل فنى، والعجز هو الذى يولد مثل هذه الاتهامات.\nويقول أبوشادى إنه لو هناك انحياز من جانب الرقابة فهو انحياز للعمل الفنى الجاد، مشيرا إلى إجازة الرقابة لأعمال يُقال عنها ساخنة لمحمد خان وداود عبدالسيد، ونص حوار فى فيلم «حورجادا» لرأفت الميهى الذى لم يصور بعد، وكانت الإجازة من منطلق إيماننا بأن تلك الأفلام تمثل قيمة فنية، وأنها ليست مزايدات من نوعية تحية رئيسة جمهورية. وأشار الى إجازة فيلم «بحب السيما» من خلال الدكتور جابر عصفور رئيس المجلس الأعلى للثقافة آنذاك، وذلك من خلال لجنة حكماء، وكان تمرير اللجنة للفيلم من منطلق «إذا كان الرجل يملك شجاعة الكتابة فنحن لسنا أقل منه شجاعة».\nوعما يطلق عليه مشاهد الفراش أو «المناظر» قال أبوشادى: «لست ضد هذه المشاهد طالما كانت فى سياق العمل الفنى، ولا أراها إباحية، أو مشاهد ساخنة، ولكن يرها المراهق جنسيا، أو ذهنيا من وجهة نظره مشاهد جنسية، أو مشاهد ساخنة، وهى فى حقيقة الأمر ليست كذلك ولكن مصدر السخونة هو عقل هذا المشاهد، وهذا أمر يخصه وحده، وللأسف بعض الفنانين كانوا يبالغون  فى تضمين أعمالهم مشاهد من هذا النوع، حتى يقوم الرقيب بحذفه، ويدخلون فى نقاش حولها مع الرقابة لتمرير أشياء أخرى، لكننا تعاملنا مع هذا بمنطق واحد، وهو أن ما لا ضرورة له لا ضرورة، ويجب حذفه.\nوأشار إلى فيلم «دانتيلا» للمخرجة إيناس الدغيدى، والذى عرض فى مهرجان الإسكندرية، متضمنا مشهد فراش فى سياق الدراما، ولكنه كان مشهدا طويلا يتضمن 9 شوتات، بما يجعله مشهد مزعج، وعند العرض التجارى رأت الرقابة بأنه كان يكفى الإشارة للحدث فى مشهد لا يتعدى الـ 3 شوتات، واعترضت إيناس، وثارت ضجة حول الفيلم، وتمسكت الرقابة بموقفها، وفى العرض الخاص بسينما راديو وقفت المخرجة لتشكر الرقابة، وقالت إنها ساعدتها فى تقديم فيلم على أفضل ما يكون.\nوذكر أبوشادى أنه أجاز عرض أفلام تتضمن مشاهد جنسية فى مهرجان القاهرة السينمائى، لأن أفلام المهرجان يجب أن تشاهد كما هى، وخرجنا من هذا المأزق بأن جعلناها عروضا خاصة للنقاد والصحفيين وعرض لمرة واحدة، وكانت هذه الافلام تحظى بإقبال كبير جدا، ولا يغادر إحدى صالات العروض، وبعدها تتعرض الرقابة للهجوم ممن يريدون الظهور بمظهر أخلاقى أمام الناس.\nأمن الدولة گان يشعر بحساسية تجاه تناول ضباط الشرطة فى أعمال فنية\nينفى بشدة على أبوشادى تعرضه لأى ضغوط من جانب المسئولين فى وزارة الثقافة، مؤكدا أن الوزير فاروق حسنى كان دائما ظهيرا لحرية الإبداع، رغم تعرضه للحرج أحيانا بسبب ما تجيزه الرقابة من أعمال، وأشار إلى اعتراض أبداه الوزير كمال الشاذلى على ظهور شخصية كمال الفولى فى فيلم عمارة يعقوبيان، والتى رآها العامة أنها تجسيد لشخصيته.\nوكشف أبوشادى عن خطاب لوم وجهه وزير الداخلية حبيب العدل لفاروق حسنى بسبب إجازته لفيلم «هى فوضى»، لكن كل ما قام به وزير الثقافة الأسبق أن حوله لرئيس الرقابة للعلم، ولم يبدِ أى توجيه أو اعتراض أو ملاحظة.\nوعن الجهات التى كانت تحيل لها الرقابة بعض الاعمال قال أبوشادى: «وفق القانون تتم الإحالة للمخابرات العامة فيما يخص الأمن القومى، وتُحال إلى الأزهر الأمور المتعلقة بالأمور الدينية».\nوأضاف: «أحلت أمورا للأزهر للاسترشاد، خاصة فى الأعمال التى تتضمن آيات قرآنية أو أمورا فقهية لأن الرقيب ليس فقيها فى الدين، وقلت إننى لن أبصم خلف شيخ الأزهر، لكن هناك من المبدعين من تطوع بالحصول على استشارة من تلك الجهات فى أعمالهم، قبل أن تحيل الرقابة لها العمل».\nوأشار إلى مشكلة فيلم «أولاد العم» الذى عرضه أصحابه على الأجهزة الأمنية بعيدا عن الرقابة، وبعد أن تم تصوير مشاهد له فى الخارج اعترضت المخابرات على تصوير الفيلم بدون تصريح رسمى، وهى مشكلة لم يكن للرقابة شأن بها.\nوأكد أن القانون لا يعطى جهاز زمن الدولة حق ابداء الرأى أو الاعتراض على عمل فنى، والمخابرات العامة هى الجهة صاحبة القرار فيما يتعلق بشأن الأمن القومى، لكن فى الفترة الأخيرة كان الجهاز يتدخل ويمارس ضغوط ليتدخل فى بعض القرارات، وكان فيلم «هيه فوضى» أحد هذه الممارسات، لكننا أحزنا الفيلم وعملنا على تمريره دون المساس به، ويشهد على ذلك المخرج خالد يوسف والمنتج جابى خورى الذين حضرا تلك المداولات كاملة.\nوأشار إلى أنه كان هناك حساسية من جانب أمن الدولة تجاه الأفلام التى تتناول ضباط الشرطة، وأشار إلى الضغوط التى مارسوها لتغيير أسم فيلم «عريس أمن دولة» إلى «عريس من جهة أمنية»، رغم أن هذا التغيير لم يؤثر على الفيلم فى شىء، وأن كل من يشاهد الفيلم يعرف أن بطل الفيلم شريف منير يعمل فى جهاز أمن الدولة، فضلا على أن الفيلم لم يكن فيه شىء مسىء أو ما يستدعى الاعتراض عليه، ولكن ما أثير فى الصحف عن الفيلم قبل عرضه هو ما حرك أمن الدولة لتغيير الاسم.\nونفى أبوشادى بشدة مما تردد فى تلك الفترة عن قيام الرقابة بتحويل الأفلام لأمن الدولة، وقال إن هذا الكلام غير صحيح، وأنه شعر بالاستياء مما تم ترديده بهذا الشأن خاصة أنه صدر وقتها من البعض داخل الوسط، وأشار إلى أنه هو من أجاز عرض فيلم «قضية أمن دولة» بطولة أشرف عبدالباقى.\nوعن معارك الرقابة فى عهده مع التيارات الدينية قال إنه بدأ عمله فى الرقابة بقضية ضد فيلم أبوالدهب، يتهم صاحبها معالى زايد وممدوح وافى بارتكاب فعل فاضح على الشاشة، وكان نتيجة تداخلت الرقابة فى القضية أن حكمت المحكمة بتبرأتهما من التهمة، وتغريم المنتج الذى أضاف مشاهد للفيلم دون الحصول على موافقة الرقابة.\nواضاف: «الرقابة فى عهدى شهدت كثير من القضايا، وكان علىّ أن أقف فى المحكمة أكثر من مرة، للدفاع عن حرية الإبداع أمام تلك الهجمات».\nكذلك أشار إلى مثوله أمام لجان مجلس الشعب للدفاع عن فيلم «عمارة يعقوبيان»، بعد هجوم نواب جماعة الإخوان على الرقابة لإجازتها مشهد وحوار عن الشذوذ الجنسى فى الفيلم، وقال إن الرقابة كانت قد رأت عدم حذف المشهد لأنه ضرورة درامية، لكنها استشعرت خطرا من عرضه على الأعمار الصغيرة، حيث جاء الكلام على لسان شخصية جسدها خالد الصاوى بالفيلم لتبرير الشذوذ فيه خطر، ولذلك منعت مشاهدة الفيلم لأقل من 18 سنة.

الخبر من المصدر