المسرح العربي والتباس الهوية

المسرح العربي والتباس الهوية

منذ 12 سنة

المسرح العربي والتباس الهوية

من مسرحية "روميو وجولييت في بغداد"\nمع أن المسرح ظهر بشكله البدائي الذي يعتمد على الهزل والسخرية والإضحاك في أيام الخلافة العباسية إلا أن الشاعر أدونيس يرى أن مفهوم ومقومات المسرح في تناقض واضح مع الثقافة الدينية للمجتمع العربي.\nفالمسرح بمفهومه القديم والحديث قائم على الإشكال، والثقافة الدينية في المجتمع العربي تتسم بالبنية الخالية من الإشكال لأنها تقوم على الإيمان المطلق، الذي لا يفسح مجالا للتساؤل.\nوكيف يمكن أن يزدهر المسرح في ثقافة لا يكون الإنسان في مركزها؟ فالإنسان، مسرحيا ، هو مركز الكون، لكن الله هو مركز الكون في الثقافة الدينية للإنسان العربي.\nلكن أدونيس ليس الوحيد الذي لفت الانتباه الى هذا التناقض، وإن كان هو من شكك بوجود مسرح عربي سواء قديم أو حديث.\nومن أوجه التناقض بين مفهوم المسرح وطبيعة المجتمع والثقافة العربية يقول محمد عزيزة إن الصراع أساس المسرح وهو ليس من سمات المجتمع العربي على حسب رأيه.\nويقسم عزيزة الصراع في المجتمع الإغريقي إلى اربعة أشكال: الصراع العمودي، اي تمرد الفرد ضد إرادة الآلهة، والصراع الأفقي اي ثورته على قوانين المجتمع، والصراع الديناميكي الناجم عن رفضه لمصيره، والصراع الداخلي الذي يدور بين الإنسان وذاته.\nولا تتسامح طبيعة المجتمع العربي مع أشكال الصراع هذه.\nأما بعض الباحثين الآخرين فيقولون إن المسرح بمفهومه الحديث (نص، خشبة، ممثلون، جمهور) عرف لأول مرة في التاريخ العربي في القرن التاسع عشر وأن أول عمل مسرحي حقيقي كان اقتباس مسرحية "البخيل" لموليير الذي قام به اللبناني مارون النقاش.\nويرى هؤلاء الباحثون أن هناك عدة أسباب كانت تحول دون نشوء ثقافة مسرحية قبل القرن التاسع عشر منها أن نمط حياة المجتمع العربي كان قائما على الترحال بينما المسرح يتطلب الاستقرار.\nومنها أيضا عدم مشاركة المرأة في التمثيل، وإن كان هذا لم يمنع ازدهار المسرح في عهد شكسبير، حيث كان رجال يؤدون الأدوار النسائية.\nأما أدونيس فيضيف أن اللغة العربية هي لغة بيان وفصاحة، أو لغة وحي وإنشاء وتمجيد، واللغة المسرحية هي لغة التوتر والتناقض والقلق والصراع، "لغة الحركة"، كما يقول.\nوالغريب أن تجربته الشعرية القائمة على الإبداع اللغوي هي خير رد على نظريته، فهو ومحمود درويش من الشعراء العرب المعاصرين الذين اثبتوا أن اللغة ليست كيانا ميتا بل هي نسيج عضوي قابل للصهر والتشكيل والتطوير كأي أداة فنية تشكيلية.\nكانت النصوص المسرحية للكتاب الكبار الأوائل ذات طابع فكري مجرد (توفيق الحكيم) وفكري (عند سعيد عقل) وفكري ديني (عند علي أحمد باكثير) وفكري أخلاقي (عند عزيز اباظة) كما يقول د.عبدالله أبو هيف في كتابه "المسرح العربي المعاصر".\nثم شغلت المشاكل الاجتماعية كتاب النصوص المسرحية ابتداء من خمسينيات القرن الماضي ورافق ظهور الفكر القومي نمو الجيل الثاني من الكتاب المسرحيين الذين اتسمت نصوصهم بالالتزام بمشاكل الجماهير، مثل نعمان عاشور ويوسف إدريس ورشاد رشدي وسعدالدين وهبة وألفريد فرج وصلاح عبد الصبور.\nوفي سوريا ظهرت طلائع المسرح الجديد الذي يمثله علي عقلة عرسان وسعدالله ونوس ومحمد الماغوط.\nوأنتجت حركة الاستقلال في الجزائر كاتب ياسين.\nوهنا انتقل المسرح من معالجة المشاكل الاجتماعية الى القضايا الوطنية، أو زاوج القضيتين، الاجتماعية والوطنية في نصوصه.\nثم بدأت النصوص المسرحية تنحو باتجاه التقدم الاجتماعي والتحرر الوطني، بموازاة تشكل الوعي السياسي للكتاب.\nيلاحظ في الحركات المسرحية الحديثة، خاصة في العقود الأخيرة من القرن العشرين غياب التراكم والتأسيس والتقليد الذي يتطور أفقيا بموازاة التطور التاريخي والاجتماعي، واتسام الحركات المسرحية بما يشبه رد الفعل الآني لوعي الكاتب السياسي والاجتماعي.\nفي خلال أقل من قرن من الزمن لم يشهد نقلة نوعية في التطور الاجتماعي انتقلت غايات وأنماط النصوص المسرحية من نصوص ترفيهية تهدف الى "الإمتاع والإرشاد" إلى أخرى يغلب عليها "التأمل الفكري" إلى نصوص تنتهج "الالتزام بالقضايا الوطنية وقضايا التحرر الاجتماعي" ثم لتنتقل بطفرة غريبة الى "التغريب" "والعبث" خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي وما تلاها.\nبدت الحركات المسرحية في العقود الأخيرة وكأنها ظواهر فردية لا انعكاسا لحركة تطور المجتمع ككل، لذلك اقتصر الاهتمام بها على النخبة (السياسية بشكل خاص)، وعجزت عن أن تؤسس تقليدا راسخا، أو أن تضطلع بدور ثقافي مميز.

الخبر من المصدر