في ضيافة قاتل ما بقلم:د. عبدالله عيسى

في ضيافة قاتل ما بقلم:د. عبدالله عيسى

منذ 12 سنة

في ضيافة قاتل ما بقلم:د. عبدالله عيسى

في ضيافة قاتل ما تحية إلى روح الشاعر الشيشاني الصديق رسلان أختاخانوف د. عبدالله عيسى مجرد أن تكون شيشانيا ً فذا قدر خصّك َ الله به ، كامل الأوصاف : أن تصعد بحجر الرؤيا إلى أعلى جبل لتصبح كليم نفسك ، كابن آوى في جوف الصحراء ،صارخاً في البريّة : أنا الحي ّ في قائمة قتلاي ، أنا المقتول القادم إلى قائمة الأحياء في ذاكرة آلي وصحبي . أو أن تتكئ على ظلال القادمين إلى غدك َ من أسفار ِ السلالة ، تلك التي تتحلى برحمة آيات تتلى بروح الإمام شاميل فتخضب لحيته من ضراعة ، وتنطق على لسانك َ بأسماء حياة تناديها بين حربين عاتيتين لتلقي السلام على أحد ٍ يَرِد ُ المكان ، مكانك ، بيد بيضاء من غير سوء . وربما عليك َ أيضا ً كي تظل ّ مجرد أن تكون شيشانيا ً أن تكتفي برثاء نفسك ، إذ تمر ّ بك َ الأبدية ُ على عجل ٍ : إثنتان من الأمهات ِ ، رؤومتين تحنوان على الشواهد تحلمان بأن يعود الذي مضى إلى أمسه حينما رفعتا ، تحت القلب تماما من ذهبت به الحرب ُ إلى باطن الأرض . لكن أن تكون شاعراً شيشانيا ً ، فكأنك َ تقطن اللا أين ، مثلي ، وأنت تتوسّل ُ غروزني كلها وأخواتها ( و أنا أتوسل القدس وشقيقاتها ) ، غروزتي الذاهبة بكامل زينتها إلى حربها الأولى ، الخارجة من تحت طائلة دمارها الغلاب بِسِرّ فتنتها لتُسرّ من رآها بعد حربها الثانية ، ( فلسطيني كلها يا صاحبي تحت وطأة دمار يؤرّخ له رب ّ العهد القديم ) ، لتسكن معك َ في غرفتك َ في موسكو ( تماما ً كما فلسطين بكامل أوصافها تعيش معي هنا ) لكأنك َ في اللامكان . مثلي يا صاحبي . مأخوذا ً من بين يديك َ ومن خلفك َ إلى لفظتك َ الأولى : الوطن . الوطن الذي ضاع ، أو ضيّعوه ، أو أضاعوه ُ في مصافحة ٍ بين عدوين أجّلاها إلى عهد ما بعد موتيهما موسكو وغروزني . يا موسكو ويا غروزني أبدا ً ، أراكما شعاع الأبدبة وأحلم أنكما كأصبعبن في الكف ّ لا أن تؤرقا أحلام مضجعي من الرعب القتّال . قلت َ لي : أنا كابن آوى أنظر إلى قمر بعيد . وقلت ُ لك : أنا أشبه بحلزون الأرض ، أحمل بيتي على ظهري . لكأننا كنا نمضي إلينا برائحة جغرافيا مفقودة فينا . لكأن الكلمة لم تعد تكفي لنبني وطنا ً لنا ، وما عاد بمقدور الحلم أن يلوّح بعودتنا . تخيّل يا صاحبي أن بامكانك أنت أن تزور وطني كله : فلسطين من النهر إلى البحر ، وأنا محظور عليّ أن أدنو برئتي ّ من هواء يهب ّ فيها . أما أنا ، فعلى زيارة دائمة للشيشان قبل حربين ، وبعدهما ، وما بينهما . فلنتبادل ِ الأدوار يا صاحبي إذن . لكنني لا أستطيع أن أُقتَل عنك َ . فقد فعلتَها وحدك َ . أرجو المعذرة : فعلها قاتلك بك . آنذاك ، حين التقينا و كان شبح قاتلي يطاردني ، تساءلت َ: كيف َ لبشر ٍ أن يفكّر بقتل شاعر مثلك َ . ومن ذوي القربى ؟ بل من أخوة لك ؟ . واحتضنت َ جسدي النحيل كأغنية ساحلية شاردة على أسوار عكا بقامتك العالية مثل شجرة بتولا على جبل يسند الأرض من سقوط ٍ حول غروزني . لم يقتلني هؤلاء: ثلاثة وكلبهم معهم سطا على اسم فلسطين . لكنّ أولئك قتلوك . ويقولون أن قاتلك َ من أبناء سلالتك . مثلما كاد يصير " أخ " ( " أخوة " ثلاثة وكلبهم رابعهم ) لي قاتلي ّ. لم تكن قط تتخيل مثلي أن يداً آدمية يمكن أن تسوّل لنفسها أن تُمَد َ على شاعر بسوء . هاأنذا أردّد صيحة ميخائيل ليرمنتوف إثر مقتل الكسندر بوشكين : قُتل الشاعر . ( نعي أخير : كان عليك َ أن تؤجّل موتك ، عفوا ً كان على قاتليك َ أن ينتظروا ، حتى نلتقي يا رسلان . اتصالك َ بي قبل أسابيع أشعل َ في صوتينا جمرة الحنين إلى ما صدّقناه وصرنا له صِدِّيقَين : بالشعر نُجمّل العالم . وقلت ُ : بالحب ننتصر . وقلت َ لي أنني كنت ُ أجمل َ من أعدائي المقنّعين بابتسامات ِ ضوار ٍ كشّرت عن أنيابها ، حين وقفت ُ ، في التلفزيون الروسي ، في مواجهة مستشار نتنياهو ورئيس كتلة الليكود في الكنيست الاسرائيلي . بالحب ، حب الحياة ما استطعت ُ إليها سبيلا ، انتصرت عليهما على موت ٍ كان يحدق ّ في ّ في كلامهما . تماما ً كما انتصر السيد المسيح على صالبيه . أنا ، يا صاحبي ، كعهدك َبي ، ما أزال ُ في ضيافة قاتل ما . كان َ عليك َ ألا تمضي ..حتى نلتقي ) .

الخبر من المصدر