المحتوى الرئيسى

اتساع فجوة أسعار النفط والغاز على جانبي الأطلسي.. الأسباب والتداعيات والإجراءات المحتملة

06/29 14:24

نعمت أبو الصوف

لقد تأثرت أسواق الغاز الطبيعي في أمريكا الشمالية بشدة بالطفرة التي شهدها قطاع إنتاج الغاز من المصادر غير التقليدية والتي أدت إلى انخفاض أسعار الغاز الطبيعي بسبب زيادة العرض واستقرار الطلب. في الوقت الحاضر أسواق الولايات المتحدة تتلقى واردات غاز ضئيلة جدا من خارج أمريكا الشمالية، كما أن محطات الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة عاطلة وستبقى كذلك طالما أن خفض عدد أبراج الحفر العاملة في موارد الغاز لم يستعيد بعد التوازن بين العرض والطلب.

الضغوط التنازلية على أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة ازدادت باطراد على مدى العقد الماضي، حيث يتم تداول الغاز في الوقت الحاضر أدنى بكثير من قيمته الحرارية مقارنة مع النفط. في هذا الصدد بينت إحدى دراسات الطاقة في هذا المجال، إنه إذا كان لا يزال هناك شك في أن أسعار الغاز الطبيعي في أمريكا الشمالية قد انفصلت نهائيا عن سعر النفط الخام، فإن التوقعات السنوية للأسعار ستضع هذه المسألة في منظورها الصحيح. حيث تشير الدراسة أيضا إلى أنه في أحد التعاملات اليومية تم تداول خام غرب تكساس الوسيط بأكثر من 100 دولار للبرميل الواحد، وفي اليوم نفسه تم تداول الغاز في سوق هنري بنحو أربعة دولارات ونصف لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، أي بنسبة 24 إلى 1 بين الغاز والنفط، وهذه النسبة بعيدة جدا عن النسبة 6 إلى 1 التي يحددها محتوى الطاقة لكل من النفط والغاز.

من الممكن اعتماد بعض ممارسات تسعير الغاز في أوروبا لإعادة التوازن بين أسعار النفط والغاز في أمريكا الشمالية على أساس المحتوى الحراري، حيث يمكن طرح نسبة من عقود الغاز على أساس أسعار النفط Oil-indexing، هذه الخطوة قد تساعد على استعادة وتحقيق الاستقرار في مجمل أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة. هذه الخطوة تعتبر أكثر فعالة من اعتماد آلية الحد الأدنى لسعر الغاز، التي اقترحت في وقت سابق لصالح صناعة الغاز في الولايات المتحدة والتي اعتمدت في الهند.

عقود الغاز الأوروبية المرتبطة مع أسعار النفط Oil-indexing يتم عادة التفاوض بشأنها بين موردين الغاز والمستوردين، من ثم ترسل كميات الغاز إلى شبكات نقل الغاز في الاتحاد الأوروبي. عادة ما يقوم موردي الغاز والمستوردين بالاتفاق على جدولة عقود التجهيز الطويلة الأجل على أساس التباين الموسمي بين العرض والطلب، حيث ينخفض التجهيز في فصل الصيف ويرتفع في فصل الشتاء. عدم اليقين بمستوى الطلب الفعلي على الغاز قد يؤدي في بعض الأحيان إلى ذروة مؤقتة في الطلب على الغاز تفوق الإمدادات المتعاقد عليها، في مثل هذه الحالات فقط يتم سد النقص في الإمدادات عن طريق الشراء من الأسواق الفورية أو السحب من المخزون لإكمال حاجة الطلب المتوقع. هذا يعني أن لأسواق الغاز الفورية دورا محدودا في عقود الغاز الأوروبية مقارنة مع الدور الذي تلعبه هذه العقود في أسواق الغاز في الولايات المتحدة، حيث إن غالبية عقود الغاز هي قصيرة المدى مرتبطة بتسعيرة الغاز الطبيعي في الأسواق الفورية spot-price indexing.

مع ذلك تبقى أسعار الغاز الفورية مهمة في الاتحاد الأوروبي لأنها يمكن أن تكبح جماح أسعار الغاز عند قيام المراجحة arbitrage (إتمام في وقت واحد شراء وبيع الأصول من أجل الاستفادة من الفارق في السعر) بالاستفادة من انخفاض الأسعار الفورية عن طريق وضع شرط الاستلام أو الدفع take-or-pay في العقود الطويلة الأجل. يحدث هذا في فصول الشتاء الدافئة على غير العادة، حيث الإمدادات المتفق عليها ضمن عقود التجهيز الطويلة الأجل تفوق الطلب الفعلي على الغاز. يحدث هذا أيضا عند توفر إمدادات رخيصة من الغاز الطبيعي المسال في أسواق الغاز الفورية في العالم، كما حدث على مدى السنتين الماضيتين في حوض الأطلسي نتيجة قيام الولايات المتحدة بتحويل شحنات من الغاز الطبيعي المسال الفائضة عن الحاجة إلى الأسواق الفورية.

صناعة الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة تتعرض لضغوط مالية حادة نتيجة انخفاض هوامش الربح وعزوف المستثمرين عن الاستثمار بقوة في تطوير مصادر غاز جديدة، لكن الانتعاش في أسعار الغاز في الولايات المتحدة ليس من المتوقع أن يحدث بسرعة.

في هذا الجانب قد تحاول الشركات المنتجة للغاز تسعير عقود الغاز طويلة الأجل للمستهلكين على أساس أسعار النفط Oil-indexing أو باستخدام مزيج من تسعيرة الغاز الطبيعي على أساس الأسواق الفورية spot-price indexing وأسعار النفط Oil-indexing. لكن ليس من المتوقع أن تتقبل الأسواق هذا التوجه وفي نفس الوقت ليس من المتوقع أن تتدخل الحكومة لفرض استخدام هذا الأسلوب للتخفيف من تقلبات أسعار الغاز القصيرة الأجل في أسواق الولايات المتحدة لصالح تحقيق أرباح واستقرار أكبر لصناعة الغاز. في حين ما زالت عقود الغاز طويلة الأجل على أساس أسعار النفط Oil-indexing تهيمن على أسواق الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى التسعير على أساس الأسواق الفورية spot-price indexing.

أسواق النفط في الولايات المتحدة بدأت الآن تشعر بأثر التحول الكبير لشركات الغاز العاملة بمصادر السجيل الغازي نحو التنقيب عن النفط. انتعاش أسعار النفط الخام بصورة أفضل بكثير من أسعار الغاز الطبيعي وزيادة الفجوة بينهما على أساس المحتوى الحراري دفع بالشركات العاملة في أمريكا إلى نقل نفقاتها الرأسمالية لصالح زيادة إنتاج النفط أو على الأقل المحافظة على المعدلات الحالية لإنتاج الغاز، للمحافظة على استمرار نشاطها وتحسين هوامش أرباحها التشغيلية. نتيجة لذلك انحرفت نسبة عدد أبراج النفط العاملة إلى الغاز بشكل حاد خلال العام الماضي ''ما بين حزيران (يونيو) 2009 وحزيران (يونيو) 2010'' باتجاه النفط، حيث انخفض عدد أبراج الغاز من نحو 80 في المائة إلى 60 في المائة من إجمالي عدد الحفارات العاملة، في حين ارتفع عدد أبراج النفط العاملة ليصل إلى 40 في المائة من 20 في المائة من إجمالي الحفارات، إذا ما استمر هذا الاتجاه التصاعدي لأبراج النفط، فإن عدد أبراج النفط والغاز العاملة في الولايات المتحدة سيتساوى قريبا جدا، أي قرب مستويات منتصف تسعينيات القرن الماضي.

لكن الاستفادة من ارتفاع أسعار النفط كان أقل مما هو متوقع، حيث إن سعر خام غرب تكساس الوسيط القياسي بفارق سعري كبير مقارنة بأسعار النفط خارج الولايات المتحدة، حيث أدت الوفرة الكبيرة في مخزون النفط الخام في مركز التخزين في كوشينج Cushing في ولاية أوكلاهوما، وارتفاع التداول ودخول المستثمرين والمضاربين إلى سوق خام برنت في بحر الشمال بصورة كبيرة، إلى ارتفاع قياسي في سعر تداول عقود برنت للأشهر الآجلة، مقارنة بأسعار تداول عقود خام غرب تكساس في سوق نايمكس. هذه الفجوة الاستثنائية وغير المسبوقة بين أسعار خام غرب تكساس الوسيط وخام برنت، التي وصلت في ذروتها إلى أكثر من 20 دولارا للبرميل الواحد تعتبر واحدة من السمات الرئيسة لأسواق النفط لهذا العام حتى الآن.

إن الولايات المتحدة تستورد نحو 60 في المائة من احتياجاتها للنفط الخام في حين تستورد أوروبا نحو 70 في المائة من نفطها الخام ونحو 50 من احتياجاتها من الغاز الطبيعي. إن التطوير الشامل للمصادر غير التقليدية من الغاز الطبيعي والنفط في أوروبا قد يسهم في تحقيق نوع من الاستقرار في أمن الإمدادات وخفض مستويات أسعار النفط والغاز قرب مستويات الولايات المتحدة. إن اعتماد تقنيات الحفر وإكمال الآبار المستخدمة في المصادر غير التقليدية للنفط والغاز في الولايات المتحدة في أوروبا من شأنه تحسين صناعة النفط والغاز الأوروبية.

إن أسعار الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة في نهاية المطاف ستسترد عافيتها، وربما أسرع مما كان متوقعا، حيث إن خفض عدد أبراج الحفر في مصادر الغاز الطبيعي إلى النصف من المتوقع أن يبدأ تأثيره في عام 2012. ارتفاع الأسعار قد يحدث حتى أسرع من ذلك فيما إذا أدت المتاعب المالية لصناعة الغاز غير التقليدية إلى مزيد من الإغلاق. لكن في الوقت نفسه من غير المحتمل أن يستعيد خام غرب تكساس الوسيط تفوقه بصورة مستمرة ودائمة على مزيج برنت؛ حتى يتم إضافة خطوط أنابيب جديدة لفك الاختناقات من سوق الوسط الأمريكي، ليس من متوقع حدوث ذلك في القريب العاجل خصوصا إذا ما استمرت الشركات في الولايات المتحدة بإضافة إمدادات مشابهة لمواصفات خام غرب تكساس إلى مخزون النفط الخام في مركز التخزين في كوشينج Cushing في ولاية أوكلاهوما.

*نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل