فى البداية نقر ونعترف بأننا نقدر ونحترم إرادة الشعب المصري حين خرج للاستفتاء على التعديلات الدستورية التي جرت في 19 مارس الماضي.. نحترم ونقدر الرأي الذى قال نعم وقد مثل أغلبية المصوتين نسبة 77.3٪ ، ونحترم رأى من قال »لا« وهم حوالي 23٪ من الأصوات.. وبناء على هذا التصويت صدر الإعلان الدستوري في 30 مارس الماضي الذى يمثل خارطة الطريق لإدارة شئون البلاد حتي تسليمها إلي سلطة مدنية حكومة ورئيس منتخب في نهاية الفترة الانتقالية التي ىديرها المجلس العسكري برغبة صادقة للوصول إلي حياة ديمقراطية سليمة تستحقها مصر بعد فترة ظلام استمرت نحو 60 عاماً.. إننا نجل ونحترم ونقدم كل الاحترام والتقدير للمجلس الأعلي للقوات المسلحة الذى تحمل علي عاتقه إدارة شئون البلاد.. وكان له الدور العظيم فى نجاح ثورة 25 يناير.. حين انحاز إلي الشعب وأجبر الرئيس مبارك علي التنحى.. لا أحد ينكر دورهم العظيم في الحفاظ علي أمن وأمان الوطن والمواطنين ودورهم في الوصول بمصر إلي بر الأمان رغم كل الظروف الصعبة والمضايقات التي يتعرضون لها من قبل بعض الأطياف السياسية للوقيعة بين الشعب والجيش تحت مسميات البطء وعدم التسرع في اتخاذ قرارات حاسمة قد تتطلبها أمور البلاد في بعض الأحيان.<< إننا نثمن إصرار المجلس العسكري علي ترك القيادة وتسليم الحكم والأمانة إلي رئيس منتخب، في ظل مجلس شعبى منتخب من خلال انتخابات حرة نزيهة. تأتي بإرادة حرة لجموع المصريين وصندوق انتخابى شفاف لا تشوبه أية شائبة.. ولكننا في الوقت نفسه نتمني علي المجلس العسكرى أن يعيد حساباته في ترتيب الأولويات والبدء بعمل دستور جديد للبلاد.. حتي نقيم البنيان علي أساس سليم لأن الدستور هو اللبنة الأولي في البناء الديمقراطى.. وهو الذى يحدد قواعد اللعبة السياسية في البلاد خلال الفترة القادمة.. قانون مجلس الشعب الذى تم طرحه للنقاش مازال مصراً على وجود نسبة الـ50٪ عمالاً وفلاحين من أعضاء مجلس الشعب رغم أن هناك شبه إجماع وطنياً علي إلغاء هذه النسبة حتي لا يصبح لواءات الشرطة والجيش ورجال أعمال يحملون هذه الصفة.. لذلك يجب وضع الدستور أولاً لإلغاء هذه النسبة مع التأكيد على ضرورة الحصول علي شهادة الثانوية العامة وأحد الدبلومات كحد أدنى للترشح لمجلس الشعب.. بدلاً من اشتراط ضرورة القراءة والكتابة ما أدي فى البرلمانات السابقة لدخول نواب أميين بعد تزويرهم شهادة محو الأمية للترشح للانتخابات.<< الدستور أولاً لأنه ليس من غير المعقول أن يتم انتخاب مجلسى الشعب والشورى الذى يقوم بانتخاب اللجنة التأسيسية التي ستعد الدستور ثم تتم مناقشة مواد داخل البرلمان وعرضها للاستفتاء علي الشعب لإقراره.. وإذا جاءت مواد الدستور بشروط جديدة لانتخابات مجلس الشعب.. وشروط مختلفة لانتخاب رئيس الجمهورية.. وقد يتم إلغاء مجلس الشوري هذا المجلس الذى لا فائدة منه غير الوجاهة الاجتماعية وإهدار المال العام بما لا يفيد في مكلمخانة لا طائل من ورائها فى ظل وجود مجلس الشعب. هناك سلطة تشريعية وسلطة تنفيذية وسلطة قضائية.. فهل يجوز للسلطة التشريعية مهما كان شأنها أن تضع دستور البلاد وتشرع للسلطات الأخرى.. وهل ذلك لا يعنى طغيان واستقواء سلطة علي سلطات أخرى.. عدم ظهور الدستور أولاً هو أننا لن نتقدم خطوة واحدة للأمام ما يزيد الاحتقان بين الأطياف السياسية والدولة.. إضافة إلي انفاق مئات الملايين من الجنيهات علي مجلس لن يعيش طويلاً لأنه سيظل مجلساً مؤقتاً مرهوناً بإصدار الدستور الجديد.. ما يعد إهداراً للمال العام في الانتخابات التي لن تؤدي إلي الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني في البلاد.<< لا أحد ينكر أهمية الدور الذى لعبته القوات المسلحة في تحقيق أحلام الثورة من خلال خطوات واثقة ومنتظمة وإن اتسمت في بعض الأحيان بالبطء الشديد.. وتقدر عدم وثوب المجلس العسكرى علي السلطة واحترامه لكلمته في تنفيذ مطالب الثورة وتسليم السلطة لرئيس مدنى منتخب ديمقراطياً.. والتزامه بشرفه العسكري وقيمه ومبادئه العسكرية العريقة.. إضافة إلي تعامله مع كل القوي الوطنية دون انحياز أو إقصاء وسعيه إلي التواصل مع الجميع.. نقدر تعهد المجلس الأعلي للقوات المسلحة للشعب بعدم فرض رأيه علي أحد.. وأن الرأي النهائي للشعب وأنه لن يسمح لأحد للقفز علي السلطة دون موافقة الشعب والالتزام بمصالح مصر العليا.. كل هذا كلام جميل ورائع فهل يستمر المجلس العسكرى في إنكار ذاته وينزل علي رأي أغلبية القوي السياسية الوطنية بالبدء في عمل دستور جديد للبلاد كخطوة أولي للوصول إلي الديمقراطية.<< المجلس العسكري مشارك أساسى للثورة وحام لها ولمطالب كل الوطنيين والثوار وهو القائم بالدور التشريعي وإدارة شئون البلاد.. فلماذا لا يدعو فوراً للجنة تأسيس الدستور الجديد في فترة لا تتجاوز شهراً.. وطرحه للنقاش المجتمعي والسياسي شهراً آخر تم الاستفتاء عليه للحصول علي الشرعية وبدء العمل به. انتخابات بدون دستور تعنى أننا نستبدل أشخاصاً بأشخاص أخري ورئيساً برئيس آخر.. وقد تأتي بفلول الحزب الوطني المنحل خاصة رجال الأعمال منهم الذين يستعدون لدخول الانتخابات سواء مستقلين أو تحت مسمي الأحزاب الأخرى.. وربما تأتي جماعة الإخوان المسلمين من خلال حزب الحرية والعدالة كأغلبية بما يعني أن هؤلاء قد يكون له دور رئيس في إعداد الدستور الجديد طبقاً للترتيب الحالي الذى يقرر الانتخابات قبل وضع الدستور.. لا نريد غلبة اتجاه سياسي علي آخر في إعداد الدستور الجديد إذا تم في ظل برلمان قد يكون مشابهاً للبرلمانات السابقة للثورة حتي لا يخرج الدستور عن مساره الديمقراطى الحقيقى.. فهل هذا هو الدستور الذى ينشده الشعب المصري وهل هذه هي الديمقراطية التي ىتوق لها جموع المصريين؟.. وهل من أجل هذا قامت ثورة 25 يناير؟!<< هل نضمن سلامة العملية الانتخابية في ظل سيطرة البلطجية علي الشارع وترويعهم للمواطنين فى كل الأماكن؟.. الشرطة لاتزال غائبة عن الشارع والبلطجية وفلول الحزب الوطني لابد أن يختفوا من الساحة لأن استمرار ظاهرة البلطجة وفلول الحزب الوطني الذين يقدمون كل الدعم للبلطجية من أجل زعزعة الأمن فماذا سيكون دورهم في الانتخابات.. وهل نضمن إجراء انتخابات حرة نزيهة في ظل وجود هؤلاء.. وإذا كانت الانتخابات يشوبها بعض الشوائب بسبب استمرار ظاهرة البلطجة، وتدخل فلول الحزب الوطنى فهل البرلمان القادم سيكون معبراً تعبيراً صادقاً عن الشعب المصرى.. أم أن تأجيل الانتخابات بات ضرورة حتمية والبدء بإعداد الدستور.. حتي يستعيد الأمن سيطرته علي الشارع وتأخذ الأحزاب الجديدة فرصتها للاستعداد والدخول في الانتخابات القادمة.<< مرة أخري حين نطالب الدستور أولاً فليس هذا خروجاً على النص وعن الاستفتاء علي التعديلات الدستورية.. لأن الإعلان الدستوري الذى تلاه لم يأخذ بهذه التعديلات نصاً وإنما خرج بـ60 مادة.. والذى حدد الأولويات هو المجلس العسكري الذى بيده تعديل هذه الأولويات.. فالدستور هو الذى سيضع النقاط علي الحروف لأنه هو الأساس الذى سنبنى عليه مصر سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً.. ليس هناك وجه للمقارنة بين الرئيس المخلوع حسني مبارك والمجلس العسكري الذى يدير شئون البلاد ويشرع لها من خلال إصدار مراسيم بقانون في ظل غياب مجلس الشعب.. الرئيس المخلوع كان يتسم بالعناد وعدم الانحياز للشعب فى أي من مطالبه.. وكان المجلس العسكري بقيادة المشير محمد حسين طنطاوي محترم ومنحاز للشعب.. فليس بمستغرب أن يصدر مرسوم بتشكيل لجنة تأسيسية من جميع القوي السياسية وأساتذة القانون والاجتماع والمثقفين والفنانين وجميع القوي الفاعلة في المجتمع لإعداد مشروع القانون.. قد نفاجأ بهذا المشروع الذى يحقق طموحات المصريين المشروعة في عيش وحرية وعدالة اجتماعية.. نعم نحترم الشرعية ولكن الدستور يا أسيادنا.talaat3030@yahoo.com