المحتوى الرئيسى

رثـاء ثـورة الأرز

05/27 05:16

ساطع نور الدين عندما كان رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو يهذي أمام الكونغرس الاميركي، وكان المشرعون الاميركيون يشاركونه نوبة الهذيان، في جلسة رسمية مشهودة مساء الثلاثاء الماضي، قدم ثورة الارز اللبنانية كنموذج للتعبير عن تخوف اسرائيل من مآل الثورات الديموقراطية العربية التي يمكن ان يستولي عليها الاسلاميون على غرار ما حصل بالثورة الايرانية في العام 1979 حسب تعبيره. ولان نتنياهو لم يكن في حالة صحية، كما ان الكونغرس لم يكن في حالة طبيعية، فإن استخدامه مثال ثورة الارز، لا يمكن ان يخضع لأي معايير منطقية، لأنه لم يكن مبنيا على أي معطيات جدية، لكنه يندرج في سياق قرار اميركي اسرائيلي مشترك أفصح عنه الرئيس باراك اوباما في خطابه امام لجنة ايباك اليهودية الاميركية الاسبوع الماضي، بفتح مواجهة جديدة مع حزب الله الذي اتهمه بأنه يستخدم «الاغتيال السياسي والصواريخ والسيارات المفخخة»، لفرض إرادته على لبنان. وهو قرار يستكمل حملة أميركية اسرائيلية تستهدف سد الفراغ الذي تتسبب به الثورات العربية، والحؤول دون تقدم دول وقوى معادية لوراثة الانظمة العربية المتداعية على وقع الاحتجاجات الشعبية، لكنه يعبر عن قدر كبير من الخبث والنفاق عندما يستدعي ثورة الارز اللبنانية ويعتبر انها تجربة أجهضتها تلك الدول والقوى الاسلامية، ووضعت لبنان كله في يد ايران.. التي يعرف الاميركيون والاسرائيليون اكثر من سواهم انها لم تعد قادرة على ضمان استقرار نظامها السياسي، وحماية وضعها الداخلي الاشد اضطرابا من الوضع في البحرين او العراق او سواهما من مناطق النفوذ الايرانية المفترضة. ولعل أوباما ونتنياهو يذكران أن ثورة الارز حققت نجاحا لا يمكن إنكاره بصفتها انتفاضة شعبية واسعة على حكم سوري قاس للبنان، صارت معالمه الرئيسية من الماضي، كما انها لم تضمحل في المرحلة التالية للخروج العسكري السوري من لبنان إلا نتيجة خيار الغالبية المسيحية في ذلك الوقت بقيادة الجنرال ميشال عون بإنهاء الصراع مع دمشق والتفاهم مع حلفائها اللبنانيين، والتوجه تاليا الى ايران، في واحدة من أغرب الخطوات السياسية التي اتخذها المسيحيون اللبنانيون في تاريخهم. الثابت الذي لا يمكن الجدال فيه لا الآن ولا في أي وقت هو أن لبنان لم يشهد انقلابا إسلاميا مضادا على ثورة الارز.. يشبه تلك الانقلابات التي يخشى الاميركيون ان تصادر ثورات تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا. وما يقوم به حزب الله في الداخل اللبناني هو أقرب ما يكون الى تلاعب سياسي بالتوازنات والمؤسسات، ولا يرقى الى مستوى انقلاب مضاد على ثورة لبنانية أنجزت هدفها الرئيسي والوحيد، أو ثورة على نظام لبناني يساهم الحزب نفسه في ترسيخ جذوره. لم يكن استحضار نتنياهو لثورة الارز مؤثرا، حتى في تسليط المزيد من الضوء على القلق الاسرائيلي الظاهر والمعلن من الثورات العربية التي تطيح مجموعة من الطغاة العرب، وتنتج عصبيات وطنية عربية، هي بالتعريف البسيط معادية لإسرائيل أكثر من أنظمة الاستبداد المتهالكة.. وتمهد لظهور حالات سياسية إسلامية، هي بالتكوين الطبيعي مناهضة للعنف والتطرف وإنكار الآخر. كان نتنياهو يهذي، لكن كلماته المتفرقة لم تكن مجرد هلوسة ظهرت أعراضها أمام أعضاء الكونغرس الاميركي الذين أصابهم بمس من الجنون. *نقلا عن "السفير" اللبنانية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل