المحتوى الرئيسى

سمير البحيري يكتب: مائة يوم ثورة والخوف من شئ ما..؟!

05/09 16:57

بعد مائة يوم أو يزيد على اندلاع ثورة مصر قد يكون اخطر ما يواجه هذه الثورة،ثورة مضادة من داخلها ناتجة عن انقسامات الثورة الأصلية. ويعد ذلك بمثابة كارثة قد تفتك بجسدها وبطريقة أشد قسوة وضراوة من الثورة المضادة بشكلها المتعارف عليه، فالثورات الكبيرة على مر التاريخ وعندما تولد من مخاض القهر والظلم والاستبداد دائما ما تواجه ثورة مضادة وليس بالضرورة بالشكل الذي نراه وقوته وتأثيره بالتغيير الجوهري لنظام بلد كامل، بل أحيانا قد تكون على شكل آراء ورؤى تتوافق مع الرجعية والتخلف والفساد والانتهازية ونشرها في وسائل الإعلام المتاحة وما أكثرها في هذا العصر فلم تسلم الثورات الانجليزية والفرنسية والاسبانية في القرون من السابع عشر وحتى التاسع عشر وأيضا الثورة البلشفية في أوائل القرن العشرين من الثورة المضادة ولم يكن ذلك، بالشكل المتعارف عليه..وحتى يكون التصنيف أكثر دقة عن ماهية الثورة المضادة ..علينا ان ندقق فى كيفية التضاد الثوري، وهو نوعان ـ الأول: خارجي لا يتوافق مع سياسة دولة حليفة أو صديقة وتجربتها ونظام حكمها لشعبها كما فى حالة السعودية والإمارات والكويت على الرغم من مباركة الثلاثي للثورة المصرية لكن على مضض.! وهم فى الحقيقة كانوا يفضلون حكم مبارك لكن أصبحت الثورة بالنسبة لهم أمراً واقعاً ولا غني عن مصر بشعبها وثقلها الإقليمي والدولي، بتغيراتها حتي ولو كانت تلك التغيرات لا تتسق ورؤاهم وتطلعاتهم تجاه مصر كدولة شقيقة،فلا غني عنها بحلوها ومرها وتأثير التضاد الثوري الخارجى هذا ليكون بالتأثير القوي الذي يمكنه تغيير مجري الأحداث ولا يستطيع ان يغير من الواقع شيئاً فقط قد تكون هناك بعض التنازلات الهامشية لتلك الدول شرط ان لا تضر بأمن بلد الثورة ولا يكون تنازلاً بالمعنى المفهوم يؤثر في مصلحة تلك الدولة وهى مصر بالطبع إذا لا توجد أي أضرار منه على الإطلاق.أما النوع الثاني:وهو داخلي ويختلف جذرياً عن الخارجي لأنه يأتي من داخل البيت والذي يجمع في الأساس أبناء البيت الواحد وهو الشعب وهنا الكارثة، لأن الثورة المضادة سيكون تأثيرها مباشراً وفعالاً وله مردوده السلبي الذي قد يجهض الثورة النظيفة أو على الأقل يشوه معالمها ويذهب بالطيب منها إلى الخبيث، وشكل الثورة المضادة عندنا أخذ منحى أكثر خطورة ،فعمر الثورة الوليدة لم يصل للآن مائة يوم أي انه مولود يعاني فى الحضانة ولم يرى الدنيا بعينيه بعد ولايتنفس بطريقة طبيعية ،لكنه يواجه تحديات وهو الرضيع في مهده بعدة ثورات مضادة وليست ثورة واحدة فالثورة لم تصل بنا بعد لبلورة هدف محدد يلتف حوله الشعب ـ ليحقق مكاسب تلك الثورة وماهية المرحلة المقبلة ـ والتعاطي مع الداخل بوجود تيارات عدة واقتصاد منهار،  وهذا في حد ذاته ثورة تقتل الثورة الحقيقية.. فهناك التيار الإسلامي الممثل فى الإخوان المسلمين كقوى كبرى والسلفيين والجماعات الإسلامية الاخرى بكافة أطيافها واليسار والليبراليين ..و.و....الخ ، وهنا بيت القصيد ..فكل هذه التيارات التي ينضوي تحت لوائها جموع الشعب المصري بمثقفيه وغير مثقفيه والتى تنظر للمستقبل بأنه سيكون أفضل وأحلى وألذ ،ولكن لن تكون حلاوته ذات مذاق خاص، إلا بتوافق  كل هؤلاء أي جميع التيارات على ما يمكن ان تكون عليه مصر فى الفترة المقبلة.. والتى تعد الأشد خطراً فى تاريخها الحديث على الإطلاق واذا لم يتفق هؤلاء فيعني ذلك انها ثورة مضادة ستضر حتما بثورتنا المجيدة. وهنا يكمن الخطر الذي يحيق بالثورة وبقوة، فقبل ان نفكر في ماهية الدولة مدنية أم دينية لابد ان تتوافق جميع الشرائح أولا على ان الديمقراطية التعددية التى تستوعب كل التيارات دينية كانت أو غير ذلك هى الأساس والوسيلة الوحيدة للحكم دون إهمال أي تيار سياسي مهما كانت معتقداته، والتأكيد على حق كل القوى السياسية فى ممارسة حقوقها دون مضايقات وبما يكفله القانون دون حجر على رؤى أحدها.وواضح ان التعاطي الإعلامي مع ماذا سيكون عليه مستقبل الحكم يتبلور ويدور فى دائرة الدولة المدنية المستمدة قانونها من الشريعة أم الدولة الدينية البحتة ويبدو ان السجال أخذ منحى وصل لدرجة التصديق على التجربة قبل إجرائها وتلك كارثة.! وذلك بالحكم على فشل الدولة الدينية قبل أن تولد وبفطرة الشعب المصري ورغم تدينه لن تكون هناك دولة دينية ..! والتى لم نراها ولن نراها بالمعنى الذي يؤكد عليه المعنيون المتخوفون..ولعل تجربة قيام الدولة الدينية كما جرى فى إيران منذ عام 1979 لم يقف عنده البعض كثيرا بأنها ليست بالدولة الدينية إطلاقا بل يمكن القول أنها تتخذ من المسمى ستاراً ليس أكثر، فحكم الملالي في طهران مابعد الشاه محمد رضا بهلوي لم يرق للدولة الدينية ، بل ممكن تسميتها بالدولة "المد دينية" فلماذا التخوف من النموذج الإيراني..؟ وحتى لو توجسنا خيفة منه فهذا ليس معناه ان نحكم بفشل التجربة قبل إجرائها..لكن مانريد ان نصل له أو نوصله للعامة ان خطر "التضاد الثوري" من الداخل قد يذهب بريح الثورة التى انتظرناها طويلا.! وعلينا الاتفاق أولا على شكل الحكم بأنه ديمقراطي ، ومن ثم نفكر فى شكل الدولة مع الأخذ فى الاعتبار عدم إهمال تيار على حساب الآخر.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل