المحتوى الرئيسى

عزوة السادات.. حارسه الشخصى فى «حادث المنصة» اللواء أحمد الفولى: ظننا خالد الإسلامبولى يريد التقدم بشكوى فلم نقتله

12/25 23:33

رغم السنوات الطويلة التى مرت على اغتيال الرئيس الراحل محمد أنور السادات فى «حادث المنصة»، فإن اللواء أحمد الفولى، أحد ضباط الحرس الرئاسى وقتها، يتذكر بدقة تفاصيل ما حدث، واللحظات الأخيرة فى حياة «بطل الحرب والسلام»، وكأن ما حدث كان بالأمس فقط.

وروى «الفولى»، فى حوار مع «الدستور»، تفاصيل هذه اللحظات الصعبة، منذ وقوع الحادث، وصولًا إلى نقل الرئيس السادات إلى مستشفى المعادى العسكرى الذى رقد فيه حتى تشريح جثمانه وخروج جنازته.

يوم اغتياله بدأ بـ«علامات شؤم» أبرزها «الموكب الأسود» و«الدبابة الغريبة».. والأمن لم يقصر على الإطلاق

«كان يوم السادس من أكتوبر عام ١٩٨١ طويلًا وحزينًا فى تاريخ مصر، وهو ملىء بالتفاصيل والحكايات المأساوية المحفورة فى ذاكرة كل مصرى عاصرها».. بهذا الكلمات بدأ اللواء أحمد الفولى استرجاع مجموعة من الأحداث التى كانت «تدعو للتشاؤم منذ بداية اليوم».

الأحداث والمؤشرات المشئومة بدأت كما يروى حارس الرئيس قبل ذهاب موكبه إلى «المنصة»، إذ شهد الموكب استخدام الحراسات الخاصة لأول مرة عربات مرسيدس سوداء جديدة، كانت تشبه سيارات «نقل الموتى». المؤشر الثانى كان بعد الوصول إلى منطقة العرض الذى شهد توقف إحدى الدبابات فى اتجاه المنصة بشكل يثير القلق، ما جعل «الفولى» يقول لزملائه: «الدبابة دى لو نطقت.. هتاكلنا كلنا».

ويتذكر «الفولى» أن هذه المؤشرات تزامنت مع معلومات شبه مؤكدة لدى أجهزة الأمن تفيد بتخطيط الجماعات الإسلامية لاغتيال الرئيس السادات، وهو ما تأكد بعد العثور على شريط فيديو يتضمن تدريبات على إطلاق النار لبعض عناصر هذه الجماعات فى الصحراء، بالإضافة إلى القبض على مجموعة شباب فى جامعة القاهرة يحملون أوراقًا بها رسومات تخطيطية للمنصة وللمكان الذى سيجلس فيه الرئيس، ما يشير صراحة لمخطط الاغتيال.

وعن تصرفات السادات فى هذه الفترة العصيبة يتذكر «الفولى» أنه «لم يكن الرئيس السادات يعير هذه المؤامرات أى اهتمام، لأنه كان يؤمن إيمانًا مطلقًا بأن الموت يأتى للإنسان ولو كان فى بروج مشيدة».

ويضيف: «قبل الحادث، وفى ٢٨ سبتمبر، أصر السادات على زيارة مدينة المنصورة فى قطار مفتوح ثم تجول فى سيارة مكشوفة، ورفض بشكل تام أى مقترحات بالسفر فى الطائرة، كما أنه كان يأمر بإيقاف القطار أو تهدئة سرعته أحيانًا حتى يتمكن من مصافحة المواطنين».

ويتابع: «ذات مرة نهرنى الرئيس لأنى حاولت منع أحد المواطنين من الوصول إليه أثناء جلوسه للصلاة فى أحد المساجد بالقناطر الخيرية، وعنّفنى بشدة على ما فعلته حتى إنه ذهب بنفسه إلى الرجل وتحدث معه واستمع إلى شكواه».

ويشدد على أن «الأمن لم يقصر على الإطلاق فى القيام بالدور المنوط به لحماية الرئيس، بل إن عملية التأمين أثناء العرض العسكرى قام بها عدد كبير من الحراس المدربين على أعلى مستوى، ومعهم بعض أفراد القوات الخاصة التابعة للحرس الجمهورى، وكذلك قوات الشرطة المدنية والشرطة العسكرية والأمن المركزى».

ويعتقد «الفولى» أن إيمان «السادات» بالقضاء والقدر هو ما جعله يرفض ارتداء القميص الواقى من الرصاص قبل العرض العسكرى، رغم مطالبات حرسه الشخصى وإلحاح زوجته السيدة جيهان.

ويرى أن ذلك كان انعكاسًا للقب «الرئيس المؤمن» الذى لم يُطلق عليه عبثًا، بل كان مستحقًا عن جدارة، فالرجل لم يكن يترك صلاته أبدًا ويؤدى جميع الفروض فى أوقاتها، كما كان يعتكف فى شهر رمضان للصلاة والعبادة فقط ويمتنع عن أى زيارات رسمية حتى لا ينشغل بالمراسم السياسية فى الشهر الكريم.

ويؤكد الحارس الشخصى للرئيس أن هذه الطبيعة الشخصية لـ«السادات» وأوامره الخاصة بعدم منع أى شخص له مظلمة من مقابلته والحديث معه، ورحمته فى التعامل مع المواطنين هى التى جعلت حراسه يترددون فى إطلاق النار على قاتله خالد الإسلامبولى عندما نزل من سيارته لاستهداف الرئيس على المنصة، ويوضح: «كل ما جال بخاطرنا حينها أنه يريد أن يتحدث إلى الرئيس أو يريد منه أى شىء، حتى إن السادات سأله: (فيه إيه يا ولد؟)، ولولا خوفنا من الرئيس وعقابه لأطلقنا عليه النار فى هذه اللحظة ولم يكن الاغتيال ليتم على هذا النحو».

كان ينزف من فمه.. ظل يُصدر صوتًا خافتًا.. وأخفيت وصية جيهان لـ«مبارك» بنصيحة من موسى صبرى

اللحظات التى حمل فيها اللواء الفولى جسد الرئيس السادات وتلك التى وقف فيها على رأسه أثناء تشريح جثمانه مرت كدهر كامل، لأنها كانت أصعب اللحظات فى حياته كما يقول. وعن هذه اللحظات الحرجة يروى: «بعد أن أُصيب الرئيس السادات بالطلقات سقط أرضًا وتوجهت إليه قافزًا من موقعى فى منتصف المنصة، ثم حملته أنا وزميلى الضابط محمد حمص، أحد ضباط الحرس الجمهورى، وكان لحظتها ينزف دمًا من فمه لكنه كان لا يزال على قيد الحياة ويصدر صوتًا خافتًا متألمًا».

ويضيف: «نقلناه إلى الطائرة الهليكوبتر من طراز (جازيل)، التى كانت موجودة خلف باب زجاجى كبير يفصلها عن المنصة تحسبًا للطوارئ والإخلاء المفاجئ، ولأن الباب الزجاجى كان مغلقًا، قام الزميل عادل فريد بكسره عن طريق قذفه بمقعد خشبى، حتى ننفذ منه إلى الطائرة ونضع الرئيس فى معية الدكتور محمد عطية، طبيب الرئاسة».

ويتابع: «ذهبت بعدها مهرولًا للحاق بالرئيس فى مستشفى المعادى العسكرى، وفى الطريق إلى السيارة أوقفتنى السيدة جيهان السادات وسألتنى: إيه اللى حصل للريس يا فولى؟ فقلت لها إنه بخير والحمد لله، فنظرت إلى الدم على بذلتى وقالت: أنا شوفتك وإنت شايله ودمه أهو مغرق بدلتك، فقلت لها: اطمنى يا هانم.. اللى حصل مجرد إصابة فى دراع الريس».

ويستكمل: «ركبت بعد ذلك سيارة أحد الوزراء وكان معى زميلى عادل فريد واللواء مصطفى صادق، مدير أمن الرئاسة فى ذلك الوقت، حتى نكون فى استقبال الرئيس فى مستشفى المعادى، لكن السائق رفض التحرك معنا ولأننا كنا فى حالة غير طبيعية أجبرناه على ذلك، وعندما وصلنا لطريق صلاح سالم توقفنا للزحام، فمشينا قليلًا على أقدامنا ثم ركبنا سيارة أخرى حتى وصلنا إلى المستشفى».

تزامن وصول «الفولى» ورفاقه إلى مستشفى المعادى العسكرى مع وصول السيدة جيهان السادات وأبنائها وصديقتها الدكتورة زينب السبكى، وسبقتهم فى الواحدة والعشرين دقيقة الطائرة التى تحمل الرئيس، ووقف الجميع يدعون الله أن تحدث المعجزة.

بعد وقت قليل، والحديث لا يزال للواء الفولى، خرج كبير الجراحين من غرفة العمليات، والتف الجميع حوله وسألته السيدة جيهان عن الموقف قائلة: «لو محتاجين دكاترة نجيبهم من بره مصر»، فقال: «لا يا أفندم أطباؤنا شغالين»، فقالت مستنكرة: «شغالين إزاى وأنت كبير الجراحين وخرجت؟»، فبكى الطبيب قائلًا: «الريس خلاص»، ثم لوّح بيده فأدركنا أن الرئيس السادات انتقل إلى الرفيق الأعلى.

ويشير إلى أن السيدة جيهان نظرت إليه لحظتها وهى تتظاهر بالقوة وطلبت منه أن ينادى محمد حسنى مبارك، نائب الرئيس، وعندما جاء إليها قالت له: «الريس خلاص» فرد بصوت مرتفع: «لا.. إن شاء الله الريس بخير»، فأكدت له الخبر قائلة: «الريس خلاص.. ومصر أمانة فى إيديك».

ويكشف «الفولى» أنه أخفى هذه الجملة سنوات طويلة بناء على نصيحة من الصحفى الكبير موسى صبرى، الذى تربطه به صداقة وطيدة، نظرًا لأنه رأى أن البعض قد يأخذ هذه الجملة بحساسية ويفسرها على أن السيدة جيهان هى التى منحت «مبارك» رئاسة مصر لا الشعب، لذا لم يذكرها «صبرى» نفسه فى كتابه «السادات.. الحقيقة والأسطورة».

وبعد تأكد وفاة الرئيس، كانت «الأوضاع كلها سيئة، نظرًا لأن الجميع كان فى حالة ذهول وإنكار للواقع، حتى إن زميلى مدحت الغرباوى الذى يتناوب معى حراسة جثمان الرئيس السادات فى الثلاجة كان (بيكلم نفسه) ولا يصدق أن السادات أصبح يرقد فى ثلاجة الموتى». يقول «الفولى».

التشريح نفى شائعة قتله بطبنجة حُراسه.. ومشاركة مبارك فى الحادث مستحيلة لأنه كان جالسًا بجواره

بعد إعلان الوفاة بوقت قصير، كُلف «الفولى» بتسلم ملابس الرئيس ومتعلقاته من المستشفى، فجمعها فى وعاء بلاستيكى، وأثناء ذلك جاء أحد ضباط الأمن إلى المستشفى وسأل كبير الأطباء الشرعيين عن حقيقة وجود طلقة طبنجة فى جسد الرئيس كما تبين الأشعة. يروى «الفولى» أن العبارة أصابته بالدهشة، فنظر إليه وقال: «إحنا بس اللى تسليحنا طبنجة، تقصد إن إحنا اللى قتلنا الرئيس؟»، فأكد أنه لا يقصد ذلك لكنه يحتاج لتفسير، فقال كبير الأطباء الشرعيين: «ما أقدرش أعرف غير لما أفتح، وساعتها اتخذ قرارًا بتشريح جثمان السادات».

ويضيف: «عندما وصلت عند السيدة جيهان لتسليمها الملابس للأسرة، وأثناء وجودى هناك جاءتهم مكالمة من الدكتور فؤاد محيى الدين، رئيس الوزراء، ليستأذن الأسرة فى التشريح، خاصة أن النائب حسنى مبارك اشترط ذلك، فوافقت على شرط واحد أن تحضر هى وابنه جمال عملية التشريح».

ويتابع: «وقتها وصل جمال السادات من الولايات المتحدة على متن طائرة خاصة، وعندما رأيته احتضنته بقوة وبكيت، فنظر إلىَّ وشكرنى على ما سماه المجهود الذى بذلته فى محاولة إنقاذ حياة الرئيس»، فقلت مستنكرًا: «شكرا على إيه؟.. كان ممكن تقولى كده لو كان الريس عايش.. لكن دلوقتى مافيش مجال للشكر». وعندما رفض بعض المسئولين الأمنيين حضور «جمال» مع والدته أثناء تشريح الجثمان، اتصل الأخير بـ«مبارك» وقال له: «لو سمحت يا سيادة الريس.. أول وآخر طلب هطلبه من حضرتك هو إنى عايز أحضر التشريح.. أمى ست قوية، وأنا راجل»، وبعد مناقشة لم تستمر طويلًا سمح له الرئيس مبارك بحضور هذه الجلسة العصيبة.

الوقت الذى جرى فيه التشريح مر بصعوبة بالغة، وكانت الغرفة مكتظة بالأطباء والحراسات والممرضين، فصرخت فيهم السيدة جيهان: «كله يخرج بره إلا أحمد الفولى، لكنى استأذنتها فى حضور المقدم عصام شحاتة من أمن الرئاسة».

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل