المحتوى الرئيسى

ما بعد الكارثة.. حكايات «سيول التجمّع»

04/28 23:10

- ملاك العقارات حوَّلوا البنية التحتية لفيلات مستقلة يؤجرونها ويبيعونها و«بوابون»: موظفو الحى السبب

- قدرة استيعاب أحيائه 1.2 مليون نسمة ويسكنه 4 ملايين حاليًا على الأقل.. و«الكمباوندات» تقام بشكل دائم

- بالوعات الصرف الصحى انفجرت وتحولت لنافورات.. و17 محطة فشلت فى فك الأزمة

- أستاذ تخطيط: لا بد من إجراء دراسة لاتجاهات الرياح قبل بناء أى مدينة جديدة

لم يكن المشهد معتادًا هذه المرة، فالخير المصاحب للأرض المُرسل من الله على هيئة أمطار، والأعين الناظرة إلى السماء، والتضرّع الذى يصيب الجميع لم يكن كذلك، والدعاء توقف وتبدّل وحلّت محله استغاثات إلى الخالق. مشهد عاشته القاهرة الجديدة، وتحديدًا منطقة التجمع، حيث غمرت مياه الأمطار الأرض، وتضرر الجميع، وتوقفت السيارات دون حركة، وأنار الرعد والبرق الظلام الدامس، فى أحداث لم تكن فى حسبان الجميع. «الدستور» زارت بدرومات وجراجات التجمع، وتحدثت مع السماسرة والملاك والمستأجرين، للإجابة عن أسئلة تكشف جانبًا آخر للأزمة: هل أصحاب تلك الفيلات هم من جنوا على أنفسهم الضرر بإقامة «فيلات» سفلية تحت المبانى فى الدور الأول والجراج؟ هل الأمطار باغتتهم وقضت على أحلامهم المخالفة؟ ومن المسئول معهم؟ وكيف لا يحدث هذا مستقبلًا؟.

حراس عقارات: السكان حولوا البدرومات والجراجات إلى «فيلات دوبليكس» فأغرقتها المياه.. والمتر بـ٢٠ ألف جنيه

فى الثامنة مساء الثلاثاء الماضى، كان «أبوياسين»، حارس عقار، يعانى الأمرّين بعد تساقط أمطار لم ير مثلها من قبل فى منطقة التجمع، فراح الرجل الأربعينى- بكل ما أوتى من قوة- يمنع وصول المياه إلى الجراج الخاص بمبنى لم يكتمل بعد، غير أن طاقته راحت هدرًا: «حاولت أشيل أول بأول الميّه، بس كانت أقوى منى».

يقول «أبوياسين»- الذى ظهرت ثيابه مبللة بالمياه: «قبل ما تيجوا كنت بساعد الناس اللى تضررت، كلنا لازم نقف إيد بإيد علشان ننقذ اللى نقدر عليه».

غير أنّه يؤكد أنه مهما حاولوا إصلاح الأمر فلن يستطيعوا، لأنه «لا بد من تغيير كامل فى منظومة إدارة الأزمات الخاصة بالمدينة، وتجديد وصيانة البنية التحتية ومواسير الصرف والكهرباء، التى لم تستطع تحمل المشكلة، فتفاقمت الأزمة».

سنوات عديدة قضاها «أبوياسين» فى منطقة التجمع مترحّلا بين المبانى يحرسها، يقول: «بقالى أكتر من ١٥ سنة هنا، عديت على أكتر من ٥٠ بيت، أحرسهم وأخد بالى منهم، أنا حافظ المنطقة كلها عن ظهر قلب».

الأزمة التى كانت أقوى من قدرة «أبوياسين»، اعترفت الحكومة- فى مشهد نادر- بتقصيرها فى تجنيب المواطنين تبعاتها، إذ أصدرت بيانًا للاعتذار عما حدث من ضرر لحق بسكان التجمع من غرق منازلهم وخسائرهم، وذلك لسوء إدارة الأزمة وعدم التعامل بجدية مع ما حدث، خاصة أن ما حدث تزامن مع إجازة عيد تحرير سيناء.

وعلى سطح الكارثة، ظهرت زاوية جديدة لما حدث كان بطلها السكان أنفسهم ومُلاك «الفيلات» والعمارات السكنية هناك، من بدا أنهم جنوا على أنفسهم بمخالفتهم قوانين المحليات والأحياء وحولوا البدرومات والجراجات إلى «فيلات دوبليكس»، أى من طابقين، رغم تعليمات جهاز مدينة القاهرة الجديدة بعدم توصيل مرافق لمآرب السيارات والبدرومات، تجنبا لهذه الحيلة.

لكن ما يحدث أن أصحاب العمائر يحولون هذه المناطق المنخفضة من مبانيهم إلى فيلات مستقلة بحديقة، سعيًا وراء المال. وهنا يطل الفساد برأسه من جديد، خاصة مع موظفى جهاز المدينة، الذين يسهلون الأمر بالمخالفة مقابل حفنة من الأموال دون أن يعلموا أن الأمر سيتحول لهذا المشهد الذى رأوه بأعينهم فى الأيام الماضية، وعلى الرغم من مكافحة الفساد وضبط عدد من هؤلاء الموظفين، إلا أن الساكن والموظف كانا السبب فيما حدث، وفقًا للشهادات التى جمعناها.

حارس عقار آخر- فضل عدم نشر اسمه- كشف أن هذا يحدث بالفعل، إذ إنه من الممكن شراء دورين أرضيين وبناء سلم خاص بهما، لتستطيع وقتما شئت الدخول والخروج، لافتا إلى أن هذا الأمر مكلّف إلى حد كبير، ومن يقدم عليه يكون من أصحاب الملايين «المتلتلة»، وفق تعبيره.

هذه المبانى «المخالفة» تبدو مطلوبة وسوقها رائجة رغم ارتفاع أسعارها، فبحسب حارس العقار فإن أمامه أكثر من شقة معروضة للبيع، يتحدد ثمنها بحسب المنطقة: «فى التجمع الأول المتر يصل إلى ٢٠ ألف جنيه، حسب قرب الشقة من الشارع الرئيسى وطلّتها ورقم الدور فى المبنى».

مثال على ذلك، يشير الرجل إلى أن هناك فيلا مقامة على دورين أرضى وأول، وصل سعرها إلى ١٨ مليون جنيه، ومساحتها٦٠٠ متر مربع، ولكنها لا تزال «على الطوب الأحمر»، وهذا يستلزم، ويعطى حرية أيضا، من الراغب فى شرائها أن يتولى تشطيبها بالشكل المناسب له.

تحذيرات من كارثة مستقبلية بسبب البناء على مخرات السيول.. والبنية التحتية منهارة بسبب «حمى الشراء» فى المنطقة

أمام منطقة «الغابات المتحجّرة»، التى شهدت انهيار جزء من سورها جراء تلك السيول وتعطل حركة السيارات، وقف «أبوأيمن» يشير إلى البناية الخاصة به: «الخرسانة شربت المياه، الكارثة الحقيقية هتحصل فى السنين الجاية»، مشددا على ضرورة تغيير تلك الخرسانات التى ستتهالك بمرور الوقت، بجانب البنية التحتية التى أظهرت للجميع أن بها عوارًا واضحًا.

أزمة الأمطار والغرق، ظهرت- كما يعتقد «أبوأيمن»- عندما تقاعس المسئولون فى الأجهزة المحلية عن العمل يوم الأربعاء، وهى إجازتهم بمناسبة عيد تحرير سيناء، رغم ظهور بوادر للأزمة فى اليوم السابق على ذلك، لكن الجميع أخذوا يلقون اللوم على بعضهم البعض دون حراك.

يؤكد «أبوأيمن» أن مياه الأمطار ضربت جميع المبانى هنا، لكن الضرر الأكبر كان من نصيب أصحاب الأدوار الأرضية و«الفيلل الدوبليكس»، إذ إن منسوب المياه فى الشارع لم يترك للجميع أى خيار سوى تقبل الوضع المأساوى حتى تتوقف الأمطار وأصوات الرعد والبرق، ولكن هذا لم يحدث ولساعات طويلة: «الرعب كان على وشوش الكل، ما حدش كان عارف يتصرف فى المياه، والخوف كمان كان من البنية التحتية الضعيفة».

ويشرح الرجل التوزيع الديموغرافى للسكان وطبقاتهم فى المنطقة، فيقول إن التجمعات الخاصة بالقضاة والضباط والمهندسين تقع فى حى «النرجس» المتميز، حيث تتراوح أسعار المتر هناك ما بين ٨ و١٢ ألف جنيه.

وبجانب هذا تشمل المدينة عددا من الأحياء التى يقطنها الدبلوماسيون مثل «الياسمين والشويفات والبنفسج» وحى جنوب الأكاديمية، إضافة إلى الأحياء الأول والثانى والثالث والرابع والخامس.

وفى فبراير الماضى، أعلن جهاز مدينة القاهرة الجديدة أن الاستثمارات فى الطرق بلغت ١،٦٥ مليار جنيه فى خطة العام المالى ٢٠١٧-٢٠١٨، فيما جرى تخصيص ٤ مليارات جنيه فى خطة العام المالى لمشروعات الطرق للعام المالى ٢٠١٨-٢٠١٩.

محمد السيد، واحد من أصحاب «الفيلات» التى تضررت، قال إنّ المياه وصلت إلى سقف الجراج ما أدى إلى غرق السيارات بخلاف انقطاع الكهرباء والمياه: «مكنش حد عارف يدخل أو يخرج، وسكان العمارات كانوا واقفين مش قادرين يعملوا أى شىء».

ويرى «السيد» أنّه كان من البديهى التعامل مع منطقة القاهرة الجديدة بشكل مختلف يراعى طبيعة المكان، لأن هناك الكثيرين الذين غرقت منازلهم نتيجة عدم الصرف ومستوى التخطيط المنخفض للأراضى عن محطات الصرف.

واتهم المسئولين عن المدينة بالإهمال والتقصير، قائلا إنّ رئيس جهاز القاهرة الجديدة لم يكن على دراية بما يحدث: «وجدنا مكتبه مغلقا، وهو والعاملون فى الجهاز مكانوش بيردوا على التليفونات»، بجانب عدم نزول أى سيارة لشفط المياه من الشوارع وإنقاذ السكان، وفق ما قاله.

وذهب محررا «الدستور» لجهاز مدينة القاهرة الجديدة، للرد على كلام السكان واستيضاح خططهم للتعامل مع الكارثة حاليا ومستقبلا، إلا أن كل المسئولين هناك رفضوا الحديث معهما.

بجوار مبنى الجهاز، التقينا المهندس محمد عبدالقادر، وهو أحد سكان منطقة النرجس بالتجمع الخامس، والذى يرى أن الأزمة لها شقان، الأول حكومى، يتعلق بضعف البنية التحتية للمنطقة، موضحًا: «التجمع الخامس زاد عدد سكانه خلال العشر سنوات الأخيرة إلى ثلاثة أضعاف، وساعد على ذلك وجود مساحات شاسعة فارغة وسط المنطقة أو على أطرافها».

ارتباطًا بذلك، يضيف «عبدالقادر» أن الكثير من رجال الأعمال أخذوا يبنون «كومباوندات» بعد أن لمسوا الإقبال على الشراء والسكن باعتبارها منطقة الأغنياء.

سبب آخر للأزمة، هو البناء فى أماكن تعد مخرات سيول، مثل «الغابات المتحجرة» التى تتوسط العديد من المناطق السكنية كالنرجس أو عمارات الأهالى، وكانت النتيجة أن الأمطار تجمعت بالمناطق المرتفعة بالغابة وجرفت سورها وأغرقت المساكن حولها.

بجانب ذلك، فإن الأمطار لم تكن السبب الرئيسى فى غرق منطقة شارع «التسعين»، وإنما فى انفجار الصرف الصحى فى نفس الوقت، لأن التوسعات الأخيرة فى الطرق بالمنطقة وتطويرها أضرت بالبنية التحتية التى لم تطلها عمليات التجديد.

أما الشق الثانى لغرق المنطقة فيتعلق بالسكان الذين- فى رأى «عبدالقادر»- لم يطبقوا القانون. يشرح: «جهاز المدينة اشترط عدم توصيل مرافق لمآرب السيارات والبدرومات حتى لا يجرى استغلالها كسكن، لكن ما يحدث أن أصحاب العمائر يحولون بالفعل البدروم والدور الأرضى إلى فيلات مستقلة بحديقة»، لافتا إلى أنهم يؤجرون هذه «الفيلات» أو يبيعونها أو يسكنونها بأنفسهم.

لكن شكل «الفيلات» ليس الوحيد أمام هؤلاء، إذ يحول بعضهم هذه المآرب إلى محال تجارية، وفى أضعف الأحوال يسكنون البواب وأسرته بالبدروم، والنتيجة أن هذه المناطق المنخفضة تكون عرضة أولى لتجمع المياه. أما حسن رحيم، ساكن آخر، فيتحدث عن مشكلة «الكثافة السكانية» التى يعانيها التجمع الخامس حاليا، مشيرا إلى أن المخطط للمنطقة وقت إنشائها كان استيعاب ٢٠٠ ألف نسمة فقط ووُضع فى الاعتبار هذا الرقم بالنسبة للبنية التحتية، لكن الواقع حاليا يقول إن هناك ٤ ملايين نسمة على الأقل يسكنون المنطقة، أى ٢٠ ضعف المخطط، كما يقول «رحيم» بأسف.

هذا الضغط السكانى- كما يستكمل «رحيم»- ظهر جليًا فى أزمة الطرق، ما دفع الدولة إلى إجراء عمليات تطوير وتوسيع لشارع «التسعين»، لكنها لم تهتم بباقى المرافق بنفس الدرجة، ما كان سببًا فى هذه المأساة.

ويعزى «رحيم» هذه الكثافة السكانية إلى «حُمى الشراء فى التجمع الخامس»، بالإضافة إلى إقبال الشركات العقارية على الاستثمار فى المنطقة نظرًا للمستوى المادى المرتفع للسكان.

سكان يعترفون: أخطأنا لكن تحت أنظار مسئولى جهاز المدينة وانفجار البالوعات ضمن أسباب الغرق

يرى عادل زين الدين، أحد سكان الحى الأول بالتجمع الخامس، وهو الحى الأكثر تضررًا من أزمة السيول، أن سبب ما حدث لم يكن الأمطار وحدها، لأنه فى اليوم التالى للأزمة انهمرت أمطار رعدية مرة أخرى بلا أى خطورة.

ويشرح: «فى اليوم الأول انفجرت بالوعات الصرف الرئيسية فى شارع التسعين، كان الوضع أشبه بالنافورات، الدنيا غرقت والمياه دخلت على العمارات والفيلات».

ويطالب «زين الدين» بـ١٢ محطة صرف صحى جديدة للمدينة، إذ إن الـ١٧ محطة الحالية لا تغطى الاحتياجات اليومية، ناهيك عن أوقات الكوارث الطبيعية، مشيرا إلى أن «القدرة الاستيعابية لكل محطة لا تزيد على ١٥٠ ألف متر مكعب».

ويضيف: «بدلًا من صرف المليارات على تطوير الطرق كان الأولى الإنفاق على تغيير منظومة الصرف»، موضحا أن جزءًا من الأزمة يتمثل فى أن المحطات تعتمد على روافع ترفع من محطة لأخرى، وإذا تعطلت واحدة تتعطل المنظومة بأكملها.

ويحمِّل جهاز المدينة الجزء الأكبر من المسئولية فى أزمة البدرومات التى أغرقت الحى الأول: «الكل عارف إن ده ممنوع ومع ذلك بيحصل»، متابعًا أن المنتفع من تحويل هذه المآرب إلى «فيلات» ومحال يسلك أحد الطريقين: فإما أن يحصل على تصريح من جهاز المدينة بالمعاينة التى لا بد أن تثبت أنه من الآمن استغلال البدروم والجراج سواء سكنى أو تجارى، وعادة يكون هذا عن طريق الرشاوى، حسب «زين الدين».

الطريقة الأخرى التى يلجأ لها المنتفعون هى التغافل عن محاضر الإخلاء والمخالفات التى تصدر من جهاز المدينة لمكان ما، ونتيجة ذلك مثلا أن هناك صالة ألعاب رياضية «جيم» غرقت فى اليوم الثالث من الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وبعد تجديدها غرقت مرة أخرى فى هذه الأزمة.

أما كريم حجازى، وهو متضرر آخر، أغرقت المياه منزله حتى وصلت لغرفة المعيشة، فيحكى: «أسكن فى التجمع من ٣ سنين بس، اشتريت بيتى ده جاهز بثلاثة ملايين».

منزل «حجازى» عبارة عن فيلا تضم شقتين فى الدور الأرضى، الأولى أرضى منخفض كما لاحظنا- وأخرى مرتفعة عنها. يستكمل «حجازى»: «مكنتش أعرف إنه ممنوع تسكين الشقة المنخفضة، ومالك الفيلا القديم قدم لى أوراق صحيحة، وسجلتها فى الشهر العقارى».

وتابع أن إن المنطقة بكاملها مقسمة بهذه الطريقة، فهناك المئات من «الفيلات» المبنية فى مستويات منخفضة وتُباع وتُشترى بلا أزمة، ودون تحرير مخالفات من جهاز المدينة، بحسب قوله.

يشرح أكثر: «إذا تحركتوا على طول شارع التسعين هتلاقى الفيلات دى، وكمان المكاتب الإدارية والتجارية مبنية فى الجراجات»، قبل أن يعقب: «أكيد رئيس جهاز المدينة بيشوفها كل يوم، شوارع التسعين عصب التجمع الخامس»، متسائلًا فى أسى: «لماذا لم يلتفت أحد للأمر ويأمر بإخلائها؟ لماذا تركتمونا حتى غرقت بيوتنا؟».

ويتفق «حجازى» مع القائلين بأن الأزمة لم تكن فى كمية الأمطار فحسب، مشيرا إلى أن كميات أقل تسببت فى غرق المنازل الموجودة فى المنخفض الموجود بوسط «التسعين»، الشهر الماضى، كما تكررت الأزمة وإن كانت بصورة أقل العام الماضى والذى قبله، ولم يلتفت جهاز المدينة لذلك، بل اهتموا بإجراء توسيعات للطرق فقط، دون أى اهتمام بالصرف الصحى وباقى الخدمات.

نهى مصطفى، من السكان، تقول إن سعر المتر فى التجمع الخامس وصل إلى ١٠ و١٥ ألف جنيه، ورغم ذلك- كما تشكو- فإن المرافق الواصلة للمنطقة لا ترقى إلى مستوى ما يعيش عليه أهل العشوائيات، وتضيف: «اللى قال على مواقع التواصل الاجتماعى إن الشقق بملايين والمرافق بملاليم مكدبش».

وحسب «نهى» فإن الضرر لم يطل سكان الأدوار الأرضية فقط: «أنا ساكنة فى التالت ومع ذلك الأزمة أثرت عليا برضه، لأن الكهرباء والمياه وخطوط التليفون والإنترنت كلها قطعت»، لافتة إلى أن حركتها تعطلت أيضا، إذ لم تستطع النزول من المنزل بسبب المياه التى أغرقت الطريق حوله.

تسكن «نهى» فى عقار ملتزم بقرارات جهاز المدينة بشكل تام، كما تقول، إذ لا يوجد سكان فى البدروم الذى تحول إلى جراج لكنه بلا خدمات صرف صحى، وكانت النتيجة- وإن كانت أهون- أن المياه تجمعت فيه بسبب انخفاضه، وأغرقت كل السيارات ووصلت إلى «الموتور والسلندر» فيها، ما يعنى آلاف الجنيهات لصيانة كل هذا.

وتتساءل «نهى» مستنكرة: من كان صاحب قرار عدم توصيل المرافق؟ وتضيف: «هل يعقل بسبب خوفهم من تحويل البدرومات لشقق وفيلات يعرضون الملتزمين للخراب ده».

وفقا لما تقوله، فإن شارع «التسعين» والحى الأول بأكمله فى التجمع الخامس، مقسم لشقق منخفضة وأخرى علوية على نظام «فيلل الدوبليكس»، والأخيرة تحديدا تتصدر إعلانات شركات المقاولات: «تقدروا تشوفوا الإعلانات دى وتتأكدوا».

هذا الكلام يتفق مع ما قاله كريم حجازى أيضا، بل إن «نهى» تتعجب مثله من أن «السيد رئيس جهاز المدينة بيمر بشارع التسعين على الأقل مرة يوميا وبيشوف ده بعينه، فليه موقف المهزلة دى بدلا من تحميلها كارثة السيول».

وتؤكد أن «القاهرة الجديدة» بأكملها تعانى أزمة مرافق منذ فترة طويلة: «الميه بتقطع باستمرار عندنا وفى التجمع التالت، ودايما بيحصل انفجار فى شبكات الصرف». ثم تنتقل إلى نفس النقطة التى أشار إليها من تحدثنا معهم، بأن البنية التحتية لمحطات الصرف كانت عاملا مساعدا فى الأزمة، وتحديدا فى تعطل روافع المحطات وانفجارها: «شفت بعينى الميه وهى بتتفجر من بالوعة رئيسية فى شارع التسعين، المشهد كان يشبه بركان»، مدللة على منطق كلامها كذلك بأن أمطار اليوم الثانى- بعد الالتفات للأزمة- لم تؤثر كثيرًا رغم أنها كانت أقوى.

خبراء: درس نتعلم منه و«الحمد لله إن التربة رملية».. ونائب البرلمان: لدىّ مستندات بفساد فى الحى

«الأزمة أكبر من شوية مطر، والسكان ليسوا مذنبين وحدهم».. هكذا يرى عدد من المختصين الذين تحدثنا معهم، لأخذ الرأى الفنى لهم فى السيول التى عصفت بالمدينة.

الدكتور محمد عبدالباقى إبراهيم، أستاذ التخطيط العمرانى بجامعة «عين شمس»، يقول إن «العناية الإلهية» أنقذت التجمع الخامس من كارثة أكبر.

يشرح «إبراهيم»: ما حدث كان جزءًا صغيرا لأن التربة فى المنطقة رملية، لأنه لو كانت التربة طينية لغرق التجمع بأكمله من الأمطار الغزيرة، موضحا أن انبساط الأرض فى التجمعات وعدم وجود منحدرات تصرف الأمطار أحد أسباب الأزمة.

ولتفادى ذلك، يشدد أستاذ التخطيط على ضرورة إجراء دراسات بيئية جيدة قبل بناء أى مدن جديدة، لمعرفة اتجاه الرياح وطريقة انحدار الأمطار وكذلك المناخ لتجنيب تلك المناطق تبعات أى كوارث طبيعية.

أما عن الوضع فى «التجمع الخامس» على وجه التحديد، فيرى «إبراهيم» أن الحل هو مراجعة شبكة استيعاب الأمطار، واختبار قدرتها على استيعاب كم كبير من المياه، مضيفا: «فات أوان مرحلة الدراسات البيئية، لأن المدينة أقيمت بالفعل، لكن يمكن تنفيذ ذلك فى أى مشروعات مقبلة للحفاظ على سلامة الأرواح والممتلكات».

من جانبه، يُرجع الدكتور محمد إبراهيم عميد كلية الهندسة بجامعة قناة السويس الأسبق، الأزمة إلى الخطأ الذى طرأ على التعامل مع «القاهرة الجديدة»، فمنطقة «التجمع الخامس» مثلًا كان مخططًا لها فى البداية أن تستوعب ٢٠٠ ألف نسمة فقط، فيما كان مقدرا لمدينة القاهرة الجديدة كلها أن تحتضن نحو ٣ ملايين نسمة فقط عام ٢٠٢٩. لكن ما حدث - كما يتابع «شرف»- أن أقل تقدير لسكان التجمع حاليا يكشف أن عددهم مليون نسمة، وفى تقديرات أخرى يصل إلى ٣ ملايين أو أكثر، خصوصا أن «الكمباوندات» تقام بشكل دائم.

بناء على هذا، فإن شبكة الصرف الصحى لم تتحمل هذه الزيادة السكانية، مضيفًا أن تصميم الشبكة بمحطات الرفع الـ١٧ لم يراعِ الطبيعة الجغرافية للمدينة المقامة على منطقة مرتفعة عن الأرض وليست متساوية، ما يعنى أنها تحتاج إلى محطات رفع ذات قدرات خاصة.

ويرى «شرف» أن القاهرة الجديدة ضربها فساد المحليات، مثل أى مكان فى مصر، والدليل مخالفة قرارات عدم توصيل مرافق للجراجات والبدرومات، لمنع تحويلها لمكاتب تجارية أو فيلات.

ويكمل: «لكن هذا حدث تحت نظر جهاز المدينة، ولذلك فمع انفجار شبكة الصرف بسبب تعطل الروافع والأمطار كان من الطبيعى أن تتجمع فى المناطق المنخفضة وتدمر منازل السكان الذين فى الأغلب لا يعرفون أن منازلهم هذه ممنوعة». الدكتور إبراهيم حجازى، عضو مجلس النواب عن «القاهرة الجديدة»، يقول إن لديه مستندات سيقدمها للنيابة العامة بشأن «فساد ضخم» فى جهاز المدينة، مشيرًا إلى أن هذه المستندات لا تخص فقط منظومة الصرف الصحى التى سببت كارثة الغرق خلال الأيام الأخيرة، بل تدين موظفين فى الجهاز، بعيدا عن رئيسه الذى يقول النائب إنه «رجل بعيد عن الشبهات».

وحسب «حجازى»، فإنه قدم هذه المستندات فى وقت سابق لمجلس النواب ويجرى التحقق منها، موضحا أنه تقدم بطلبات إحاطة إلى البرلمان فى شأن هذه المستندات، وحينما جاءت الردود من الحكومة والجهاز كشفت عن فساد آخر فى عدة ملفات جديدة تدين مسئولى الجهاز.

وأكد النائب عن «القاهرة الجديدة» أنه تحدث كذلك مع وزير الإسكان عن «فساد» جهاز المدينة، ووعده الوزير بمتابعة الأمر، لافتًا إلى أن هيئة الرقابة الإدارية ألقت القبض على موظفين هناك من قبل فى قضايا فساد، واجه أحدهما حكما بالحبس فيما لا تزال إجراءات محاكمة الآخر مستمرة.

ورفض «حجازى» منحنا نسخة من هذه الأوراق، قائلا إنه لا يستطيع إتاحتها للإعلام كى تأخذ التحقيقات مجراها على يد أجهزة الدولة الرسمية، كما أنه لا يريد أن يعلن أسماء موظفين أو مسئولين قبل أن تثبت النيابة تورطهم فى المخالفات، قائلًا: «عندما صرحت من قبل بوجود فساد، الدنيا قامت ولم تقعد وعينك ما تشوف إلا النور»، لكن النائب عن المدينة لفت إلى أن القضية التى يتحدث عنها تخص القبض على نائب رئيس جهاز مدينة القاهرة الجديدة، فى مايو ٢٠١٧، بتهمة الحصول على عطايا ومبالغ على سبيل الرشوة من صاحبة إحدى شركات الاستيراد والتصدير مقابل تنفيذ قرار تسليم ثلاث قطع أراض بمنطقة التجمع الخامس.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل