محمد علي باشا.. ضم السودان والشام إلى مناطق نفوذه ومأساة عزلته من حكم مصر

منذ 2 سنوات

أصيب بالزهايمر وتوفي 16 من إخوته.. من هو محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة

محمد علي باشا.. ضم السودان والشام إلى مناطق نفوذه ومأساة عزلته من حكم مصر

اسمه ثلاثي مركب وهو محمد علي المسعود بن إبراهيم آغا القوللي، ولُقب بعد ذلك بمحمد علي باشا الكبير

ولد في 4 مارس عام 1769 بمدينة قولة باليونان، والتي كانت تابعة للدولة العثمانية آنذاك

كان الابن الوحيد الذي عاش من أصل 17 ولدًا إذ مات 16 من أشقائه لأسباب مختلفة، ثم نشأ يتيم الأب والأم وكفله عمه طوسون، ثم كفله حاكم مدينة «قولة» بعد وفاة عمه

أدرجه حاكم «قولة» بسلك الجندية ليتدرج حتى يصبح نائب إحدى الكتائب الألبانية، التي تقرر إرسالها إلى مصر لمواجهة الفرنسيين عام 1801، ليصبح هو قائدها فور وصوله إلى مصر بعد عودة قائد الكتيبة إلى بلاده

ظل محمد علي في مصر بعد انسحاب الفرنسيين منها، واستطاع خلال عدة سنوات اكتساب شعبية كبيرة لدى المصريين بفضل تقربه منهم

في عام 1805 ثار الشعب المصري على الوالي العثماني «خورشيد باشا»، وطالبوا بعزله وتولية محمد علي لحكم مصر فوافق السلطان العثماني آنذاك «سليم الثالث»

واجه أولى تحدياته عام 1807 بعد «حملة فريزر» الإنجليزية على مصر، لينجح محمد علي في التصدي لها مع المقاومة الشعبية للمصريين وتزداد شعبيته بشكل كبير

في عام 1811 قام محمد علي بأحد أشهر أحداث تاريخ مصر المعاصر، حين قرر التخلص من «المماليك» الذين كانوا يشكلون عقبة كبيرة في استئثاره بالسلطة

قام بدعوتهم إلى القلعة بدعوى حضور احتفال إرسال ابنه «طوسون» إلى الحجاز للقضاء على الحركة الوهابية هناك

فوجئ المماليك بإطلاق النار عليهم من كل جهة بعد خداع محمد علي لهم، حيث قتل منهم ما يقدر بألف مملوك ولم ينجوا سوى شخص واحد، وبذلك أصبح لمحمد علي كامل السيطرة على مصر

قام محمد علي بالاتجاه لبناء دولة عصرية على النسق الأوروبي، فأسس جيش نظامي حديث مُكون من المصريين لأول مرة منذ قرون، بعد تيقنه من أن القوة العسكرية هي وسيلة تحقيق كافة أهدافه التي يطمح لها

كما أسس أسطول مصري قوي استطاع مجابهة الأساطيل الفرنسية والإنجليزية في تلك الفترة

أيقن محمد علي أن العنصر البشري هو أهم عنصر في حلمه بالدولة الحديثة، فشرع لتأسيس نظام تعليمي لخلق كفاءات بشرية على مستوى عال، حيث أرسل عشرات البعثات التعليمية إلى فرنسا وإنجلترا وإيطاليا لدراسة كافة العلوم الحديثة ونقلها إلى مصر

كما أنشأ أول مدارس نظامية وكليات في مصر، فأنشأ مدارس «الهندسة، والطب، والصيدلة، والزراعة» لتكون نواة المشروع التعليمي الأضخم في مصر منذ قرون

كما شهدت مصر في عهده نهضة اقتصادية ضخمة على كافة المستويات في الزراعة والصناعة والتجارة فشيد الترع والقنوات والجسور والقناطر

كما زاد من مساحات الرقعة الزراعية في مصر بشكل كبير، وأدخل محاصيل جديدة أبرزها نوع جديد من القطن والذي ستشتهر به مصر فيما بعد

كما أنشأ عدد كبير من المصانع في شتى المجالات، كان أبرزها «مصانع الغزل والنسيج، ومصانع إنتاج السكر، والجلود، والزجاج»

وتضاعفت حجم التجارة الخارجية في عهده حتى أصبحت قيمة الصادرات أكبر بكثير من قيمة الواردات

أسس محمد علي أول هيكل إداري منظم في مصر في العهد الحديث، حيث أنشأ مجلس حكومي أشبه بـ «مجلس الوزراء» حَالِيًّا وعهد إليه بتنظيم شئون مصر تحت إشرافه المباشر

يعد محمد علي هو أول حاكم مصري يصدر أمرًا بمنع خروج أي آثار من مصر، حيث كان يراها ثروة قومية ومهمة

اهتم كذلك بالتشييد العمراني فقام بتمهيد عدد كبير من الطرق وأنشأ القلاع والحصون والمساجد، وأنشأ أول دار لحفظ الوثائق في مصر ولا تزال مستمرة حتى اليوم

كما ظهر في عهده نظام اجتماعي جديد شهدته مصر لأول مرة منذ قرون، حيث تدرجت طبقات المجتمع بين أسرة محمد علي وكبار رجاله

ثم ظهور الطبقة الوسطى من المتعلمين والمبتعثين بالخارج، بجانب طبقات العلماء والأعيان والتجار وعمال المصانع، بجانب طبقة الفلاحين

تمكن محمد علي من توسيع مملكته بشكل كبير فضم السودان في عام 1821، ثم تمكن بعدها من ضم الشام عام 1833، وهو ما أثار سخط الدولة العثمانية عليه وتخوفها من زيادة أطماعه لينشأ الصراع بينهما

في عام 1839 نشأ صراع عسكري بين محمد علي والسلطان العثماني، حيث بعث السلطان بجيش لطرده من الشام فصد هجومه الجيش المصري بقيادة إبراهيم ابن محمد علي، وتمكن من هزيمة الجيش العثماني هزيمة كبيرة في معركة نسيب

قامت بريطانيا وروسيا والنمسا بالتدخل لصالح الدولة العثمانية، وهددوا محمد علي وعرضوا عليه مذكرة تجعل مصر من حقه وراثيًا ولأولاده من بعده، وتم عقد معاهدة لندن عام 1840 التي أقرت ذلك

سبب تحالف القوى الأوروبية مع الدولة العثمانية ضد محمد علي كان خوفهم من توسعاته وطموحاته وتهديده للدولة العثمانية، خاصة بعد هزيمته للجيش العثماني ليرضخ محمد علي للمعاهدة ويقبل بها في النهاية

عانى محمد علي في سنوات حياته الأخيرة من حالة من جنون الارتياب ثم أصيب بالخرف – الزهايمر - عام 1848 ليتم عزله من منصبه ويتولى ابنه إبراهيم باشا الحكم بدلًا منه

توفي محمد علي في 2 أغسطس عام 1849 في فترة حكم حفيده «عباس حلمي الأول»، الذي كان يكن الضغينة له فأقيمت له جنازة باهتة لم يحضرها إلا عدد قليل

يعد محمد علي من أكثر الحكام تأثيرًا وأهمية في تاريخ مصر، حيث يعد باني الدولة الحديثة وصانع نهضتها، ولا تزال آثار نهضته التي قام بها مستمرة حتى اليوم بشكل أو بآخر

تزوج محمد علي مرتين الأولى كانت من أمينة هانم وأنجب منها أبناءه «إبراهيم، وطوسون، وإسماعيل، وتوحيده، ونازلي»، والثانية من ماه دوران هانم ولم ينجب منها

أسس محمد علي أول سلاسة حاكمة مصرية منذ عام 1517، حيث توارث نسله الحكم من بعده حتى عام 1952، حيث كان حفيده «الملك فاروق» آخر حاكم مصري من الأسرة العلوية

كما يعد محمد علي من أطول حكام مصر عبر التاريخ، حيث حكم مصر لمدة تقارب الـ 43 عام وهو أطول حاكم في تاريخ مصر الحديث