سورة الكهف تفسير

سورة الكهف تفسير

قال الرسول، صلى الله عليه وسلم: “من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة،
سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء، يضيء له يوم القيامة، وغفر له ما بين الجمعتين”،
فإذا كنت من قراءها سنعرض لك في هذا المقال سورة الكهف تفسير .

سورة الكهف تفسير

الآية الأولى: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا ۜ “

التفسير: إن الله تعالى يحمد نفسه المقدسة عند فواتح الأمور وخواتيمها، فإنه المحمود على كل حال، وله الحمد في الأولى والآخرة؛
ولهذا حمد نفسه على إنزاله كتابه العزيز على سيدنا محمد، فإنه أعظم نعمة أنعمها الله على جميع الناس؛
إذ أخرجهم به من الظلمات إلى النور،
إذ جعله كتابًا مستقيمًا لا إعوجاج فيه ولا زيغ، بل يهدي إلى صراط مستقيم، بينًا واضحًا جليًا
نذيرًا للكافرين وبشيرًا للمؤمنين.

تفسير الآية الثانية

“قَيِّمًا لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا”

التفسير: ولهذا قال “قيمًا” أي: مستقيمًا.
“لينذر بأسًا شديدًا من لدنه”: لمن خالفه وكذبه ولم يؤمن به، ينذره بأسًا شديدًا، عقوبة عاجلة في الدنيا وآجلة في الآخرة.
“من لدنه”: من عند الله الذي لا يعذب عذابه أحد، ولا يوثق وثاقه أحد .
“ويبشر المؤمنين”: أي يبشرهم بهذا القرآن الذين صدقوا إيمانهم بالعمل الصالح.
“أن لهم أجرًا حسنًا”: أي مثوبة عند الله جميلة.

تفسير الآية الثالثة من سورة الكهف

“مَّاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا”

التفسير: ماكثين فيه في ثوابهم عند الله، وهي الجنة، خالدين فيها أبدًا دائمًا لا زوال له ولا انقضاء .

الآية الرابعة: “وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا”

التفسير: قال ابن إسحاق: وهم مشركو العرب في قولهم: نحن نعبد الملائكة، وهم بنات الله.

الآية الخامسة: “مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ ۚ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا”

التفسير: “ما لهم به من علم” أي: بهذا القول الذي افتروه وائتفكوه من علم.
 “ولا لآبائهم” أي: أسلافهم .
“كبرت كلمة”: إن المعنى على قراءة الجمهور أظهر؛ فإن هذا تبشيع لمقالتهم واستعظام لإفكهم؛ ولهذا قال “كبرت كلمة تخرج من “أفواههم”: ليس لها مستند سوى قولهم، ولا دليل لهم عليها إلا كذبهم وافتراؤهم؛ ولهذا قال: “إن يقولون إلا كذبا.”

تفسير سورة الكهف الآية السادسة

 “فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا”

قالها الله تعالى مسليًا رسوله صلى الله عليه وسلم في حزنه على المشركين، بسبب تركهم الإيمان وبعدهم عنه،
وباخع: أي مهلك نفسك بحزنك عليهم؛ ولهذا قال فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث، والحديث أي القرآن.

الآية السابعة: “إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا”

التفسير: أخبر الله تعالى أنه جعل الدنيا دارًا فانية مزينة بزينة زائلة، وجعلها دار اختبار لا دار قرار.

الآية الثامنة: “وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا”،
أي: وإنا لمصيروها بعد الزينة إلى الخراب والدمار، فنجعل كل شيء عليها هالكًا،
“صعيدًا جرزًا”: لا ينبت ولا ينتفع به.

سورة الكهف تفسير الآية التاسعة

“أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا”

التفسير: هذا إخبار عن قصة أصحاب الكهف (والرقيم) على سبيل الإجمال والاختصار، ثم بسطها بعد ذلك فقال: “أم حسبت”، أي يا محمد،
 “أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا”: أي ليس أمرهم عجيبًا في قدرتنا وسلطاننا، فإن خلق السموات والأرض،
واختلاف الليل والنهار، وتسخير الشمس والقمر والكواكب، وغير ذلك من الآيات العظيمة الدالة على قدرة الله تعالى،
وأنه على ما يشاء قادر ولا يعجزه شيء أعجب من أخبار أصحاب الكهف (والرقيم.)

تفسير الآية العاشرة

 “إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا”

“إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا”: يخبر تعالى عن أولئك الفتية، الذين فروا بدينهم من قومهم لئلا يفتنوهم عنه،
فهربوا منه فلجئوا إلى غار في جبل ليختفوا عن قومهم، فقالوا حين دخلوا سائلين من الله تعالى رحمته ولطفه بهم: “ربنا آتنا من لدنك رحمة” أي هب لنا من عندك رحمة ترحمنا بها وتسترنا عن قومنا،
“وهيئ لنا من أمرنا رشدا” أي وقدر لنا من أمرنا هذا رشدا.. واجعل عاقبتنا رشدا.

تفسير الآية الحادية عشرة في سورة الكهف

“فَضَرَبْنَا عَلَىٰ آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا”
التفسير: ألقينا عليهم النوم حين دخلوا إلى الكهف، فناموا سنين كثيرة.

الآية الثانية عشرة: “ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَىٰ لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا”
التفسير: “ثم بعثناهم” أي: من رقدتهم تلك، وخرج أحدهم بدراهم معه ليشتري لهم بها طعاما يأكلونه،
ولهذا قال: “ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين” أي المختلفين فيهم.. “أحصى لما لبثوا أمدا” قيل: عددا وقيل: غاية فإن الأمد الغاية كقوله سبق الجواد إذا استولى على الأمد .

تفسير من الآية 13: 14

نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى، وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ
لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَٰهًا ۖ لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا.
التفسير: هذا شروع في تفصيل قصتهم، وأن الله يقصها على نبيه بالحق والصدق، الذي ما فيه شك ولا شبهة بوجه من الوجوه، “إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ” وهذا من جموع القلة، يدل ذلك على أنهم دون العشرة،
 “آمَنُوا” بالله وحده لا شريك له من دون قومهم، فشكر الله لهم إيمانهم،
فزادهم هدى، أي: بسبب أصل اهتدائهم إلى الإيمان، زادهم الله من الهدى، الذي هو العلم النافع، والعمل الصالح.
“وَرَبَطْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ” أي صبرناهم وثبتناهم،
وجعلنا قلوبهم مطمئنة في تلك الحالة المزعجة، وهذا من لطفه تعالى بهم وبره، أن وفقهم للإيمان والهدى، والصبر والثبات، والطمأنينة.

تكملة تفسير سورة الكهف

“إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ” أي: الذي خلقنا ورزقنا، ودبرنا وربانا، هو خالق السماوات والأرض، المنفرد بخلق هذه المخلوقات العظيمة،
لا تلك الأوثان والأصنام، التي لا تخلق ولا ترزق، ولا تملك نفعًا ولا ضرًا، ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا،
فاستدلوا بتوحيد الربوبية على توحيد الإلهية،
ولهذا قالوا: “لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا” أي: من سائر المخلوقات.. “لَقَدْ قُلْنَا إِذًا” أي: إن دعونا معه آلهة، بعد ما علمنا أنه الرب الإله الذي لا تجوز ولا تنبغي العبادة إلا له
“شَطَطًا” أي: ميلًا عظيمًا عن الحق، وطريقًا بعيدًا عن الصواب، فجمعوا بين الإقرار بتوحيد الربوبية، وتوحيد الإلهية، والتزام ذلك، وبيان أنه الحق وما سواه باطل،
وهذا دليل على كمال معرفتهم بربهم، وزيادة الهدى من الله لهم.

تفسير الآية 15 سورة الكهف

 “هَٰؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ۖ لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ۖ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا”


التفسير

لما ذكروا ما من الله به عليهم من الإيمان والهدى، والتفتوا إلى ما كان عليه قومهم، من اتخاذ الآلهة من دون الله،
فمقتوهم، وبينوا أنهم ليسوا على يقين من أمرهم، بل في غاية الجهل والضلال فقالوا: “لَوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِمْ بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ”
أي: بحجة وبرهان، على ما هم عليه من الباطل، ولا يستطيعون سبيلًا إلى ذلك،
وإنما ذلك افتراء منهم على الله وكذب عليه،
وهذا أعظم الظلم، ولهذا قال: “فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا.”

الآية الـ16: “وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا”
التفسير:
أي: قال بعضهم لبعض، إذ حصل لكم اعتزال قومكم في أجسامكم وأديانكم، فلم يبق إلا النجاء من شرهم، والتسبب بالأسباب المفضية لذلك،
لأنهم لا سبيل لهم إلى قتالهم، ولا بقائهم بين أظهرهم، وهم على غير دينهم.

“فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ”

أي: انضموا إليه واختفوا فيه.. “يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا”: وفيما تقدم، أخبر أنهم دعوه بقولهم:
 “ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا” فجمعوا بين التبري من حولهم وقوتهم، والالتجاء إلى الله في صلاح أمرهم، ودعائه بذلك،
وبين الثقة بالله أنه سيفعل ذلك، لا جرم أن الله نشر لهم من رحمته،
وهيأ لهم من أمرهم مرفقا، فحفظ أديانهم وأبدانهم،
وجعلهم من آياته على خلقه، ونشر لهم من الثناء الحسن، ما هو من رحمته بهم، ويسر لهم كل سبب،
حتى المحل الذي ناموا فيه، كان على غاية ما يمكن من الصيانة.

تفسير سورة الكهف

الآية الـ17 : 18 “وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا *
وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ
لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا”

التفسير

أي: حفظهم الله من الشمس فيسر لهم غارًا إذا طلعت الشمس تميل عنه يمينًا، وعند غروبها تميل عنه شمالا، فلا ينالهم حرها فتفسد أبدانهم بها،
“وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ” أي: من الكهف أي: مكان متسع، وذلك ليطرقهم الهواء والنسيم، ويزول عنهم الوخم والتأذي بالمكان الضيق، خاصًة مع طول المكث،
وذلك من آيات الله الدالة على قدرته ورحمته بهم، وإجابة دعائهم وهدايتهم حتى في هذه الأمور، ولهذا قال: “مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ” أي: لا سبيل إلى نيل الهداية إلا من الله، فهو الهادي المرشد لمصالح الدارين،
“وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا” أي: لا تجد من يتولاه ويدبره، على ما فيه صلاحه، ولا يرشده إلى الخير والفلاح، لأن الله قد حكم عليه بالضلال، ولا راد لحكمه.

تتمة تفسير سورة الكهف

“وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ” أي: تحسبهم أيها الناظر إليهم كأنهم أيقاظ، والحال أنهم نيام، قال المفسرون: وذلك لأن أعينهم منفتحة، لئلا تفسد، فالناظر إليهم يحسبهم أيقاظًا، وهم رقود،
“وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ” وهذا أيضًا من حفظه لأبدانهم، لأن الأرض من طبيعتها، أكل الأجسام المتصلة بها، فكان من قدر الله، أن قلبهم على جنوبهم يمينًا وشمالًا،
بقدر ما لا تفسد الأرض أجسامهم، والله تعالى قادر على حفظهم من الأرض، من غير تقليب،
ولكنه تعالى حكيم، أراد أن تجري سنته في الكون، ويربط الأسباب بمسبباتها.

“وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ”

أي: الكلب الذي كان مع أصحاب الكهف، أصابه ما أصابهم من النوم وقت حراسته،
فكان باسطًا ذراعيه بالوصيد، أي: الباب، أو فنائه، هذا حفظهم من الأرض،
وأما حفظهم من الآدميين، فأخبر أنه حماهم بالرعب، الذي نشره الله عليهم، فلو اطلع عليهم أحد،
لامتلأ قلبه رعبًا، وولى منهم فرارا، وهذا الذي أوجب أن يبقوا كل هذه المدة الطويلة،
وهم لم يعثر عليهم أحد، مع قربهم من المدينة جدًا، والدليل على قربهم، أنهم لما استيقظوا،
أرسلوا أحدهم، يشتري لهم طعامًا من المدينة، وبقوا في انتظاره، فدل ذلك على شدة قربهم منها.

تفسير من الآية 19 : 20 في سورة الكهف

 “وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا
لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ
أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا * إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ
فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذًا أَبَدًا”

التفسير

“قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ” وهذا مبني على ظن القائل، وكأنهم وقع عندهم اشتباه في طول مدتهم، فلهذا “قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ”
فردوا العلم إلى المحيط علمه بكل شيء، جملة وتفصيلا، ولعل الله تعالى، بعد ذلك، أطلعهم على مدة لبثهم،
لأنه بعثهم ليتساءلوا بينهم، وأخبر أنهم تساءلوا
، وتكلموا بمبلغ ما عندهم، وصار آخر أمرهم، الاشتباه، فلا بد أن يكون قد أخبرهم يقينا،
علمنا ذلك من حكمته في بعثهم،
وأنه لا يفعل ذلك عبثًا.
ومن رحمته بمن طلب علم الحقيقة في الأمور المطلوب علمها، وسعى لذلك ما أمكنه، فإن الله يوضح له ذلك،
وبما ذكر فيما بعده من قوله:

 “وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا”

فلولا أنه حصل العلم بحالهم، لم يكونوا دليلا على ما ذكر، ثم إنهم لما تساءلوا بينهم،
وجرى منهم ما أخبر الله به، أرسلوا أحدهم بورقهم، أي: بالدراهم، التي كانت معهم، ليشتري
لهم طعاما يأكلونه،
من المدينة التي خرجوا منها، وأمروه أن يتخير من الطعام أزكاه،
أي: أطيبه وألذه، وأن يتلطف في ذهابه وشرائه وإيابه، وأن يختفي في ذلك، ويخفي حال إخوانه، ولا يشعرن بهم أحدا.
وذكروا المحذور من اطلاع غيرهم عليهم، وظهورهم عليهم، أنهم بين أمرين، إما الرجم بالحجارة،
فيقتلونهم أشنع قتلة،
لحنقهم عليهم وعلى دينهم، وإما أن يفتنوهم عن دينهم، ويردوهم في ملتم، وفي هذه الحال،
لا يفلحون أبدا،
بل يحشرون في دينهم ودنياهم وأخراهم.

تفسير الآية 21 من سورة الكهف

“وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ
بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا”

التفسير

يخبر الله تعالى، أنه أطلع الناس على حال أهل الكهف، وذلك، والله أعلم، بعدما استيقظوا، وبعثوا أحدهم يشتري لهم طعامًا، وأمروه بالاستخفاء والإخفاء،
فأراد الله أمرا فيه صلاح للناس، وزيادة أجر لهم، وهو أن الناس رأوا منهم آية من آيات الله،
المشاهدة بالعيان، على أن وعد الله حق لا شك فيه ولا مرية ولا بعد،
بعدما كانوا يتنازعون بينهم أمرهم.

“فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا”

الله أعلم بحالهم وملهم، وقال من غلب على أمرهم، وهم الذين لهم الأمر،
“لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا” أي: نعبد الله تعالى فيه، ونتذكر به أحوالهم، وما جرى لهم، وهذه الحالة محظورة، نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، وذم فاعليها،
ولا يدل ذكرها هنا على عدم ذمها، فإن السياق في شأن تعظيم أهل الكهف والثناء عليهم،
وأن هؤلاء وصلت بهم الحال إلى أن قالوا: ابنوا عليهم مسجدا،
بعد خوف أهل الكهف الشديد من قومهم، وحذرهم من الاطلاع عليهم، فوصلت الحال إلى ما ترى.

سورة الكهف تفسير الآية 22

“سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ
وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ
إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا”

التفسير

يخبر تعالى عن اختلاف أهل الكتاب في عدة أصحاب الكهف، اختلافًا صادرًا عن رجمهم بالغيب،
وتقولهم بما لا يعلمون، وأنهم فيهم على ثلاثة أقوال:
منهم: من يقول: ثلاثة، رابعهم كلبهم، ومنهم من يقول: خمسة، سادسهم كلبهم. وهذان القولان،
ذكر الله بعدهما، أن هذا رجم منهم بالغيب، فدل على بطلانهما.
ومنهم من يقول: سبعة، وثامنهم كلبهم، وهذا،والله أعلم،الصواب، لأن الله أبطل الأولين ولم يبطله،
فدل على صحته، وهذا من الاختلاف الذي لا فائدة تحته،
ولا يحصل بمعرفة عددهم مصلحة للناس، دينية ولا دنيوية، ولهذا قال تعالى: “قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ” وهم الذين أصابوا الصواب وعلموا إصابتهم.

تكملة التفسير

“فَلَا تُمَارِ” أي: تجادل وتحاج “فيهم إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا” أي: مبنيًا على العلم واليقين، ويكون أيضا فيه فائدة.
“وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ” أي: في شأن أهل الكهف “مِنْهُمْ” أي: من أهل الكتاب “أَحَدًا” وذلك لأن مبنى كلامهم فيهم على الرجم بالغيب والظن، الذي لا يغني من الحق شيئا،
ففيها دليل على المنع من استفتاء من لا يصلح للفتوى، إما لقصوره في الأمر المستفتى فيه،
أو لكونه لا يبالي بما تكلم به، وليس عنده ورع يحجزه، وإذا نهي عن استفتاء هذا الجنس،
فنهيه هو عن الفتوى، من باب أولى وأحرى.

تفسير من الآية 23 : 24 في سورة الكهف 

من الآية 23 : 24 “وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا”
التفسير: هذا النهي كغيره، وإن كان لسبب خاص وموجها للرسول صل الله عليه وسلم، فإن الخطاب عام للمكلفين،
فنهى الله أن يقول العبد في الأمور المستقبلة، “إني فاعل ذلك” من دون أن يقرنه بمشيئة الله.

من الآية 25 : 26 “وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا * قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا”

التفسير

لما نهاه الله عن استفتاء أهل الكتاب، في شأن أهل الكهف، لعدم علمهم بذلك، وكان الله عالم الغيب والشهادة، العالم بكل شيء، أخبره بمدة لبثهم، وأن علم ذلك عنده وحده.
وقوله: “أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ” تعجب من كمال سمعه وبصره، وإحاطتهما بالمسموعات والمبصرات، بعد ما أخبر بإحاطة علمه بالمعلومات، ثم أخبر عن انفراده بالولاية العامة والخاصة.

تفسير الآية 27 في سورة الكهف

الآية الـ27 “وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا”
التفسير: التلاوة: هي الاتباع، أي: اتبع ما أوحى الله إليك بمعرفة معانيه وفهمها، وتصديق أخباره، وامتثال أوامره ونواهيه.
“وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا” أي: لن تجد من دون ربك، ملجأ تلجأ إليه، ولا معاذا تعوذ به.

الآية الـ28

“وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا”
التفسير: يأمر تعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، وغيره أسوته في الأوامر والنواهي، أن يصبر نفسه مع المؤمنين العباد المنيبين “الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ” أي: أول النهار وآخره يريدون بذلك وجه الله،
“وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ” أي: لا تجاوزهم بصرك، وترفع عنهم نظرك.

“تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا”

فإن هذا ضار غير نافع، وقاطع عن المصالح الدينية، فإن ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا، فتصير الأفكار والهواجس فيها، وتزول من القلب الرغبة في الآخرة.
“وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا” غفل عن الله، فعاقبه بأن أغفله عن ذكره.
“وَاتَّبَعَ هَوَاهُ” أي: صار تبعا لهواه، حيث ما اشتهت نفسه فعله، وسعى في إدراكه، ولو كان فيه هلاكه وخسرانه.
 “وَكَانَ أَمْرُهُ” أي: مصالح دينه ودنياه “فُرُطًا” أي: ضائعة معطلة.

تفسير الآيات من 29 : 31 من سورة الكهف

الآيات من 29 : 31  “وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ
نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا *
إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا *
أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ
يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا”

التفسير

أي: قل للناس يا محمد: هو الحق من ربكم أي: قد تبين الهدى من الضلال، والرشد من الغي، وصفات أهل السعادة، وصفات أهل الشقاوة.
“إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ” بالكفر والفسوق والعصيان “نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا” أي: سورها المحيط بها، فليس لهم منفذ ولا طريق ولا مخلص منها، تصلاهم النار الحامية.
“وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا” أي: يطلبوا الشراب، ليطفئ ما نزل بهم من العطش الشديد.
“يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالْمُهْلِ” أي: كالرصاص المذاب، أو كعكر الزيت، من شدة حرارته.
“يَشْوِي الْوُجُوهَ” أي: فكيف بالأمعاء والبطون.
“بِئْسَ الشَّرَابُ” الذي يراد ليطفئ العطش، ويدفع بعض العذاب، فيكون زيادة في عذابهم، وشدة عقابهم.

“وَسَاءَتْ” النار “مُرْتَفَقًا”

وهذا ذم لحالة النار، أنها ساءت المحل، الذي يرتفق به، فإنها ليست فيها ارتفاق، وإنما فيها العذاب العظيم الشاق.
أُولَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ:
أي: أولئك الموصوفون بالإيمان والعمل الصالح، لهم الجنات العاليات التي قد كثرت أشجارها،
فأجنت من فيها، وكثرت أنهارها، فصارت تجري من تحت تلك الأشجار الأنيقة، والمنازل الرفيعة،

تكملة التفسير

وحليتهم فيها الذهب، ولباسهم فيها الحرير الأخضر من السندس، وهو الغليظ من الديباج، والإستبرق، وهو ما رق منه،
متكئين فيها على الأرائك، وهي السرر المزينة، المجملة بالثياب الفاخرة فإنها لا تسمى أريكة حتى تكون كذلك،.
“وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا” يرتفقون بها، ويتمتعون بما فيها.

تفسير سورة الكهف من الآية 32 : 34

من الآية 32 : 34 “وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا *
كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا وَفَجَّرْنَا خِلَالَهُمَا نَهَرًا وَكَانَ لَهُ ثَمَرٌ”
التفسير: يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: اضرب للناس مثل هذين الرجلين، الشاكر لنعمة الله، والكافر لها، وما صدر من كل منهما، من الأقوال والأفعال، وما حصل بسبب ذلك من العقاب العاجل والآجل، والثواب، ليعتبروا بحالهما، ويتعظوا بما حصل عليهما.

“وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ”

أي: في هاتين الجنتين من كل الثمرات، وخصوصا أشرف الأشجار، العنب والنخل.
“لم تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا” أي: لم تنقص من أكلها أدنى شيء، ومع ذلك، فالأنهار في جوانبهما سارحة، كثيرة غزيرة.
“وَكَانَ لَهُ” أي: لذلك الرجل “ثَمَرٌ” أي: عظيم كما يفيده التنكير، أي: قد استكملت جنتاه ثمارهما، وارجحنت أشجارهما، ولم تعرض لهما آفة أو نقص،
فهذا غاية منتهى زينة الدنيا في الحرث، ولهذا اغتر هذا الرجل بهما، وتبجح وافتخر، ونسي آخرته.

سورة الكهف تفسير الآيات من 34 : 36

الآيات من 34 : 36 “فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا * وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا”
 التفسير: أي: فقال صاحب الجنتين لصاحبه المؤمن، وهما يتحاوران، أي: يتراجعان بينهما في بعض الماجريات المعتادة، مفتخرا عليه:

“أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا”

فخر بكثرة ماله، وعزة أنصاره من عبيد، وخدم، وأقارب، وهذا جهل منه،
وإلا فأي: افتخار بأمر خارجي ليس فيه فضيلة نفسية، ولا صفة معنوية،
وإنما هو بمنزله فخر الصبي بالأماني، التي لا حقائق تحتها،
ثم لم يكفه هذا الافتخار على صاحبه، حتى حكم، بجهله وظلمه، وظن لما دخل جنته، فـ “قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ” أي: تنقطع وتضمحل “هَذِهِ أَبَدًا” فاطمأن إلى هذه الدنيا، ورضى بها، وأنكر البعث،

تكملة التفسير

فقال: “وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي” على ضرب المثل “لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا” أي ليعطيني خيرا من هاتين الجنتين، وهذا لا يخلو من أمرين: إما أن يكون عالما بحقيقة الحال،

فيكون كلامه هذا على وجه التهكم والاستهزاء فيكون زيادة كفر إلى كفره، وإما أن يكون هذا ظنه في الحقيقة،
فيكون من أجهل الناس، وأبخسهم حظا من العقل،
فأي: تلازم بين عطاء الدنيا وعطاء الآخرة، حتى يظن بجهله أن من أعطي في الدنيا أعطي في الآخرة،
بل الغالب، أن الله تعالى يزوي الدنيا عن أوليائه وأصفيائه، ويوسعها على أعدائه الذين ليس لهم في الآخرة نصيب.

تتمة التفسير

والظاهر أنه يعلم حقيقة الحال، ولكنه قال هذا الكلام، على وجه التهكم والاستهزاء، بدليل قوله: “وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ” فإثبات أن وصفه الظلم، في حال دخوله، الذي جرى منه، من القول ما جرى، يدل على تمرده وعناده.

سورة الكهف تفسير من الآية 37 : 39

من الآية 37 : 39 “قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا * لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ”

التفسير: أي: قال له صاحبه المؤمن، ناصحا له، ومذكرا له حاله الأولى، التي أوجده الله فيها في الدنيا “مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا.”

تفسير من الآية 39 : 44

“إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا * فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا * أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا *
وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ
يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا *
وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا *
هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا”

التفسير:

أي: قال للكافر صاحبه المؤمن: أنت وإن فخرت علي بكثرة مالك وولدك ورأيتني أقل منك مالا وولدا فإن ما عند الله، خير وأبقى، وما يرجى من خيره وإحسانه، أفضل من جميع الدنيا، التي يتنافس فيها المتنافسون.
“حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ” أي: عذابا، بمطر عظيم أو غيره، “صَعِيدًا زَلَقًا” أي: قد اقتلعت أشجارها، وتلفت ثمارها، وغرق زرعها، وزال نفعها.

“غَوْرًا”

أي: غائرا في الأرض “فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا” أي: غائرا لا يستطاع الوصول إليه بالمعاول ولا بغيرها، وإنما دعا على جنته المؤمن، غضبا لربه، لكونها غرته وأطغته، واطمأن إليها، لعله ينيب، ويراجع رشده، ويبصر في أمره.
“وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ” أي: أصابه عذاب، أحاط به، واستهلكه، فلم يبق منه شيء، والإحاطة بالثمر يستلزم تلف جميع أشجاره، وثماره، وزرعه، فندم كل الندامة، واشتد لذلك أسفه.
“هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا” أي: عاقبة ومآلا.

تفسير من الآية 45 : 46

“وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا *
الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا”

التفسير

قول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، ولمن قام بوراثته بعده تبعا: اضرب للناس مثل الحياة الدنيا ليتصوروها حق التصور، ويعرفوا ظاهرها وباطنها،
فيقيسوا بينها وبين الدار الباقية، ويؤثروا أيهما أولى بالإيثار،
وأن مثل هذه الحياة الدنيا، كمثل المطر، ينزل على الأرض، فيختلط نباتها، تنبت من كل زوج بهيج،
فبينا زهرتها وزخرفها تسر الناظرين، وتفرح المتفرجين، وتأخذ بعيون الغافلين،
إذ أصبحت هشيما تذروه الرياح، فذهب ذلك النبات الناضر، والزهر الزاهر، والمنظر البهي،
فأصبحت الأرض غبراء ترابا، قد انحرف عنها النظر، وصدف عنها البصر، وأوحشت القلب، كذلك هذه الدنيا،
بينما صاحبها قد أعجب بشبابه، وفاق فيها على أقرانه وأترابه.

تفسير آيات سورة الكهف من 47 : 49 

الآيات من 47 : 49 “وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا * وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا لَقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّنْ نَجْعَلَ لَكُمْ مَوْعِدًا *
وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا
وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً
وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا”

التفسير

“وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ” أي: يزيلها عن أماكنها، يجعلها كثيبا، ثم يجعلها كالعهن المنفوش، ثم تضمحل وتتلاشى، وتكون هباء منبثا، وتبرز الأرض فتصير قاعا صفصفا،
لا عوج فيه ولا أمتا، ويحشر الله جميع الخلق على تلك الأرض، فلا يغادر منهم أحدا، بل يجمع الأولين والآخرين،
من بطون الفلوات، وقعور البحار.

تكملة التفسير

ويجمعهم بعدما تفرقوا، ويعيدهم بعد ما تمزقوا، خلقا جديدا،
فيعرضون عليه صفا ليستعرضهم وينظر في أعمالهم، ويحكم فيهم بحكمه العدل، الذي لا جور فيه ولا ظلم.

الآية الـ50 “وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا.”

التفسير

يخبر تعالى، عن عداوة إبليس لآدم وذريته، وأن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم، إكراما وتعظيما، وامتثالا لأمر الله، فامتثلوا ذلك “إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ.”

من الآية 51 : 52 “مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا *
وَيَوْمَ يَقُولُ
نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا”

التفسير

“وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا” أي: معاونين، مظاهرين لله على شأن من الشئون،
أي: ما ينبغي ولا يليق بالله،
أن يجعل لهم قسطا من التدبير، لأنهم ساعون في إضلال الخلق والعداوة لربهم،
فاللائق أن يقصيهم ولا يدنيهم.. “مَوْبِقًا” أي: مهلكًا.

تفسير الآية 53 سورة الكهف

الآية 53 “وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا”
التفسير: أي: أنهم مواقعوها، وهذا الظن قال المفسرون: إنه بمعنى اليقين، فأيقنوا أنهم داخلوها “وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا”
أي: معدلا يعدلون إليه، ولا شافع لهم من دون إذنه، وفي هذا من التخويف والترهيب، ما ترعد له الأفئدة والقلوب.

الآية 54

“وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا”
التفسير: يخبر الله تعالى عن عظمة القرآن، وجلالته، وعمومه، وأنه صرف فيه من كل مثل،
أي: من كل طريق موصل إلى العلوم النافعة، والسعادة الأبدية، وكل طريق يعصم من الشر والهلاك.

الآية 55

“وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا.”
التفسير: أي: ما منع الناس من الإيمان، والحال أن الهدى الذي يحصل به الفرق بين الهدى والضلال، والحق والباطل، قد وصل إليهم،
وقامت عليهم حجة الله، فلم يمنعهم عدم البيان، بل منعهم الظلم والعدوان، عن الإيمان.

تتمة التفسير

فلم يبق إلا أن تأتيهم سنة الله، وعادته في الأولين من أنهم إذا لم يؤمنوا،
عوجلوا بالعذاب، أو يرون العذاب قد أقبل عليهم، ورأوه مقابلة ومعاينة.

الآية 56

“وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا”

التفسير

لم نرسل الرُسل عبثا، بل أرسلناهم يدعون الناس إلى كل خير، وينهون عن كل شر،
ويبشرونهم على امتثال ذلك بالثواب العاجل والآجل، وينذرونهم على معصية ذلك بالعقاب العاجل والآجل، فقامت بذلك حجة الله على العباد،
ومع ذلك يأبى الظالمون الكافرون، إلا المجادلة بالباطل، ليدحضوا ” ليبطلوا ويزيلوا” به الحق.

من الآية 57 : 59

“وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً
أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا *
وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ
بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا* وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا”

التفسير

 “أكنة” أي: أغطية محكمة تمنعه أن يفقه الآيات وإن سمعها، فليس في إمكانها الفقه الذي يصل إلى القلب،
 “وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا” أي: صمما يمنعهم من وصول الآيات، ومن سماعها على وجه الانتفاع وإذا كانوا بهذه الحالة، فليس لهدايتهم سبيل.
“بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا” أي: لهم موعد، يجازون فيه بأعمالهم.
“وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا” أي: بظلمهم، لا بظلم منا.

تفسير الكهف من الآية 60 : 82

“وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا *
فَلَمَّا بَلَغَا مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا *
فَلَمَّا جَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا *

تكملة الآيات

قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ
إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا *
قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا *

تتمة الآيات

فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا *
قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا *
وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا *
قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا * فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا” وحتى آية: ” ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ْ”

التفسير

قال سيدنا موسى عليه السلام لفتاه الذي كان يلازمه في حضره وسفره،
وهو “يوشع بن نون”: “لَا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ ْ” أي: لا أزال مسافرًا وإن طالت علي الشقة، ولحقتني المشقة، حتى أصل إلى مجمع البحرين،
وهو المكان الذي أوحي إليه أنه سيجد فيه عبدًا من عباد الله العالمين، عنده من العلم، ما ليس عنده،
“أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا ْ” أي: مسافة طويلة.
“فَلَمَّا بَلَغَا ْ” أي: هو وفتاه “مَجْمَعَ بَيْنِهِمَا نَسِيَا حُوتَهُمَا ْ” وكان معهما حوت يتزودان منه ويأكلان،
وقد وعد أنه متى فقد الحوت فثم ذلك العبد الذي قصده، فاتخذ ذلك الحوت سبيله،
أي: طريقه في البحر سربا وهذا من الآيات.

تكملة التفسير

فلما جاوز موسى وفتاه مجمع البحرين، قال موسى لفتاه: “آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا ْ”
 أي: لقد تعبنا من هذا السفر المجاوز فقط،
وإلا فالسفر الطويل الذي وصلا به إلى مجمع البحرين لم يجدا مس التعب فيه،

تكملة تفسير الآية من 60 : 82

وهذا من الآيات والعلامات الدالة لموسى، على وجود مطلبه، وأيضا فإن الشوق المتعلق بالوصول إلى ذلك المكان، سهل لهما الطريق،
فلما تجاوزا غايتهما وجدا مس التعب، فلما قال موسى لفتاه هذه المقالة، قال له فتاه: “أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ ْ”
أي: ألم تعلم حين آوانا الليل إلى تلك الصخرة المعروفة بينهما “فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان ْ”
لأنه السبب في ذلك “وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا ْ” أي: لما انسرب في البحر ودخل فيه، كان ذلك من العجائب.

باقي التفسير

قال المفسرون: كان ذلك المسلك للحوت سربا، ولموسى وفتاه عجبا، فلما قال له الفتى هذا القول،
وكان عند موسى وعد من الله أنه إذا فقد الحوت، وجد الخضر، فقال موسى: “ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ ْ” أي: نطلب “فَارْتَدَّا” أي: رجعا “عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا ْ”
أي رجعا يقصان أثرهما إلى المكان الذي نسيا فيه الحوت فلما وصلا إليه، وجدا عبدا من عبادنا، وهو الخضر،
وكان عبدا صالحا، لا نبيا على الصحيح.

تكملة التفسير

“آتيناه رحمة من عندنا” أي: أعطاه الله رحمة خاصة بها زاد علمه وحسن عمله “وَعَلَّمْنَاهُ ْمِنْ لَدُنَّا ْ” أي: من عندنا عِلْمًا،
وكان قد أعطي من العلم ما لم يعط موسى،
وإن كان موسى عليه السلام أعلم منه بأكثر الأشياء، وخصوصا في العلوم الإيمانية، والأصولية،
فلما اجتمع به موسى قال له على وجه الأدب والمشاورة، والإخبار عن مطلبه:

“هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا ْ”

أي: هل أتبعك على أن تعلمني مما علمك الله، ما به أسترشد وأهتدي، وأعرف به الحق في تلك القضايا؟
وكان الخضر، قد أعطاه الله من الإلهام والكرامة، ما به يحصل له الاطلاع على بواطن كثير من الأشياء التي خفيت،
حتى على موسى عليه السلام،

تتمة التفسير

فقال الخضر لموسى: لا أمتنع من ذلك، ولكنك “لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ْ” أي: لا تقدر على اتباعي وملازمتي، لأنك ترى ما لا تقدر على الصبر عليه من الأمور التي ظاهرها المنكر، وباطنها غير ذلك،
ولهذا قال:

 “وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا ْ”

أي: كيف تصبر على أمر ما أحطت بباطنه وظاهره ولا علمت المقصود منه.
فقال موسى: “سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا”
فحينئذ قال له الخضر: “فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا ْ” أي: لا تبتدئني بسؤال منك وإنكار، حتى أكون أنا الذي أخبرك بحاله.”

تتمة تفسير سورة الكهف

“فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا ْ” أي: اقتلع الخضر منها لوحا، وكان له مقصود في ذلك، فلم يصبر موسى عليه السلام، لأن ظاهره أنه منكر، لأنه عيب للسفينة، وسبب لغرق أهلها،
فقال موسى: “أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا ْ” أي: عظيما شنيعا،
فقال له الخضر:

“أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ْ

أي: فوقع كما أخبرتك، وكان هذا من موسى نسيانا فقال:
 “لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلَا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا ْ” أي: لا تعسر علي الأمر، واسمح لي، فإن ذلك وقع على وجه النسيان، فلا تؤاخذني في أول مرة.

“فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا ْ”

أي: صغيرا “فَقَتَلَهُ ْ” الخضر، فاشتد بموسى الغضب، فقال: “قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا ْ” 
فقال له الخضر معاتبا ومذكرا: “أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا ْ”
فقال له موسى: “إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ ْ” بعد هذه المرة “فَلَا تُصَاحِبْنِي ْ” أي: فأنت معذور بذلك، وبترك صحبتي “قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا ْ” أي: أعذرت مني، ولم تقصر.

تتمة التفسير

“فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا ْ” أي: استضافاهم،
فلم يضيفوهما “فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ” أي: قد عاب واستهدم “فَأَقَامَهُ ْ” الخضر أي: بناه وأعاده جديدا.
فقال له موسى:

“لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا ْ”

أي: أهل هذه القرية، لم يضيفونا مع وجوب ذلك عليهم، وأنت تبنيه من دون أجرة، وأنت تقدر عليها؟ فحينئذ لم يفِ موسى عليه السلام بما قال،
واستعذر الخضر منه، فقال له: “هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ ْ” فإنك شرطت ذلك على نفسك، فلم يبق الآن عذر، ولا موضع للصحبة،
“سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ْ” أي: سأخبرك بما أنكرت عليَّ، وأنبئك بما لي في ذلك من المآرب، وما يئول إليه الأمر.

“أَمَّا السَّفِينَةُ ْ”

التي خرقتها “فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ “ يقتضي ذلك الرقة عليهم، والرأفة بهم
 “فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا ”
أي: كان مرورهم على ذلك الملك الظالم، فكل سفينة صالحة تمر عليه ما فيها عيب غصبها وأخذها ظلما،
فأردت أن أخرقها ليكون فيها عيب، فتسلم من ذلك الظالم.

تكملة التفسير

“وَأَمَّا الْغُلَامُ ْ” الذي قتلته “فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ْ” وكان ذلك الغلام قد قدر عليه أنه لو بلغ لأرهق أبويه طغيانا وكفرا،
أي: لحملهما على الطغيان والكفر، إما لأجل محبتهما إياه، أو للحاجة إليه أو يحدهما على ذلك،
فقتلته، لاطلاعي على ذلك،
سلامة لدين أبويه المؤمنين، وأي فائدة أعظم من هذه الفائدة الجليلة
وهو وإن كان فيه إساءة إليهما، وقطع لذريتهما، فإن الله تعالى سيعطيهما من الذرية، ما هو خير منه،
ولهذا قال: “فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ْ” أي: ولدا صالحا، زكيا، واصلا لرحمه، فإن الغلام الذي قتل لو بلغ لعقهما أشد العقوق بحملهما على الكفر والطغيان.

تتمة التفسير

“وَأَمَّا الْجِدَارُ ْ” الذي أقمته “فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ْ” أي: حالهما تقتضي الرأفة بهما لأنهما صغيرين عدما أباهما، وحفظهما الله أيضا بصلاح والدهما.
“فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا ْ” أي فلهذا هدمت الجدار، واستخرجت ما تحته من كنزهما، وأعدته مجانا.
“وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ْ” أي أتيت  شيئا من قبل نفسي، ومجرد إرادتي، وإنما ذلك من رحمة الله وأمره.

تفسير سورة الكهف

من الآية 83 : 88 “وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا *
إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا *
فَأَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا
قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا *
قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا *
وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ْ”

التفسير:

سأل أهل الكتاب أو المشركون، رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قصة ذي القرنين،
فأمره الله أن يقول: “سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا ْ” أي سأتلوا عليكم من أحواله، ما يتذكر فيه، ويكون عبرة، وأما ما سوى ذلك من أحواله، فلم يتله عليهم.
“إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ ْ” أي: ملكه الله تعالى، ومكنه من النفوذ في أقطار الأرض،

“وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا فَأَتْبَعَ سَبَبًا ْ”

 أي أعطاه الله من الأسباب الموصلة له لما وصل إليه،
ما به يستعين على قهر البلدان، وسهولة الوصول إلى أقاصي العمران، وعمل بتلك الأسباب التي أعطاه الله إياها،
أي: استعملها على وجهها،
وهي أسباب قوية كثيرة، داخلية وخارجية، بها صار له جند عظيم، ذو عدد وعدد ونظام، وبه تمكن من قهر الأعداء،
ومن تسهيل الوصول إلى مشارق الأرض ومغاربها، وأنحائها،

تتمة التفسير

فأعطاه الله، ما بلغ به مغرب الشمس، حتى رأى الشمس في مرأى العين، كأنها تغرب في عين حمئة،
أي: سوداء، وهذا هو المعتاد لمن كان بينه وبين أفق الشمس الغربي ماء،
رآها تغرب في نفس الماء وإن كانت في غاية الارتفاع، ووجد عندها، أي: عند مغربها قوما،
“قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا ْ” أي: إما أن تعذبهم بقتل، أو ضرب، أو أسر ونحوه، وإما أن تحسن إليهم، فخير بين الأمرين،
لأن الظاهر أنهم كفار أو فساق، أو فيهم شيء من ذلك،فكان عند ذي القرنين من السياسة الشرعية ما استحق به المدح والثناء، لتوفيق الله له لذلك، فقال:

سأجعلهم قسمين:

“أَمَّا مَنْ ظَلَمَ ْ” بالكفر “فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا ْ”
 أي: تحصل له العقوبتان، عقوبة الدنيا، وعقوبة الآخرة.
“وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى ْ” أي: فله الجنة والحالة الحسنة عند الله جزاء يوم القيامة، “وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا ْ” أي: وسنحسن إليه،
ونلطف له بالقول، ونيسر له المعاملة، وهذا يدل على كونه من الملوك الصالحين الأولياء،
العادلين العالمين، حيث وافق مرضاة الله في معاملة كل أحد، بما يليق بحاله.

تكملة سورة الكهف تفسير

من الآية 89 : 102 “ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا *
كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا *
حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا *
قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ
فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا *
قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا *

تكملة الآيات

آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا *
فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا *
قَالَ هَذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ْ*
وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ۖ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا*  وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا *
الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا *
أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاءَ ۚ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا.”

تفسير سورة الكهف

أي لما وصل إلى مغرب الشمس كر راجعا، قاصدا مطلعها، متبعا للأسباب، التي أعطاه الله، فوصل إلى مطلع الشمس فـ “وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا ْ”
أي: وجدها تطلع على أناس ليس لهم ستر من الشمس، إما لعدم استعدادهم في المساكن،
وذلك لزيادة همجيتهم وتوحشهم، وعدم تمدنهم، وإما لكون الشمس دائمة عندهم،
لا تغرب عنهم غروبا يذكر، كما يوجد ذلك في شرقي أفريقيا الجنوبي، فوصل إلى موضع انقطع عنه علم أهل الأرض،
فضلا عن وصولهم إليه إياه بأبدانهم،
ومع هذا، فكل هذا بتقدير الله له، وعلمه به ولهذا قال “كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبَرًا ْ” أي: أحطنا بما عنده من الخير والأسباب العظيمة وعلمنا معه، حيثما توجه وسار.

تتمة سورة الكهف تفسير

“ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ ْ” قال المفسرون: ذهب متوجها من المشرق، قاصدا للشمال، فوصل إلى ما بين السدين، وهما سدان، كانا سلاسل جبال معروفين في ذلك الزمان،
سدا بين يأجوج ومأجوج وبين الناس، وجد من دون السدين قوما، لا يكادون يفقهون قولا، لعجمة ألسنتهم،
واستعجام أذهانهم وقلوبهم، وقد أعطى الله ذا القرنين من الأسباب العلمية، ما فقه به ألسنة أولئك القوم وفقههم، وراجعهم، وراجعوه،
فاشتكوا إليه ضرر يأجوج ومأجوج، وهما أمتان عظيمتان من بني آدم فقالوا: “إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ْ” بالقتل وأخذ الأموال وغير ذلك،
“فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا ْ” أي جعلا من المال يستعين به في البناء “عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا ْ” ودل ذلك على عدم اقتدارهم بأنفسهم على بنيان السد، وعرفوا اقتدار ذي القرنين عليه، فبذلوا له أجرة،
ليفعل ذلك، وذكروا له السبب الداعي،

السبب

وهو: إفسادهم في الأرض، فأجاب طلبهم لما فيه من المصلحة، ولم يأخذ منهم أجرة، وشكر ربه على تمكينه واقتداره، فقال لهم: “مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ “
أي: مما تبذلون لي وتعطوني، وإنما أطلب منكم أن تعينوني بقوة منكم بأيديكم “أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا ْ” أي: مانعا من عبورهم عليكم،
“آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ْ” أي: قطع الحديد، “حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ ْ” أي: الجبلين اللذين بني بينهما السد

“قَالَ انْفُخُوا ْ”

النار أي: أوقدوها إيقادا عظيما،
واستعملوا لها المنافيخ لتشتد، فتذيب النحاس، فلما ذاب النحاس، الذي يريد أن يلصقه بين زبر الحديد “قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا ْ”
أي: نحاسا مذابا، فأفرغ عليه القطر، فاستحكم السد استحكاما هائلا، وامتنع من وراءه من الناس، من ضرر يأجوج ومأجوج.
“فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا ْ” أي: فما لهم استطاعة، ولا قدرة على الصعود عليه لارتفاعه، ولا على نقبه “خرقه” لإحكامه وقوته.

تفسير سورة الكهف

“فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي ْ” أي: لخروج يأجوج ومأجوج “جَعَلَهُ ْ” أي: ذلك السد المحكم المتقن “دَكَّاءَ ْ” أي: دكه فانهدم، واستوى هو والأرض “وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا ْ.”
“وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ ْ” يحتمل أن الضمير، يعود إلى يأجوج ومأجوج، وأنهم إذا خرجوا على الناس، من كثرتهم واستيعابهم للأرض كلها، يموج “يختلط” بعضهم ببعض، من الأهوال والزلازل العظام،
بدليل قوله: “ونفخ في الصور فجمعناهم جمعا وعرضنا جهنم يومئذ للكافرين عرضا الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا ْ”

المعنى

أي: إذا نفخ إسرافيل في الصور، أعاد الله الأرواح إلى الأجساد،
ثم حشرهم وجمعهم لموقف القيامة، الأولين منهم والأخرين، والكافرين والمؤمنين،
ليسألوا ويحاسبوا ويجزون بأعمالهم، فأما الكافرون، على اختلافهم، فإن جهنم جزاؤهم، خالدين فيها أبدا.
ولهذا قال: “وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا ْ”،
 “كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي ْ” أي: معرضين عن الذكر الحكيم، والقرآن الكريم،
“وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا ْ” أي: لا يقدرون على سمع آيات الله الموصلة إلى الإيمان، لبغضهم القرآن والرسول.
“إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا ْ” أي ضيافة وقرى، فبئس النزل نزلهم، وبئست جهنم، ضيافتهم.

سورة الكهف تفسير من الآية 103: 106

“قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا *
أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا *
ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ْ”

التفسير

 قل يا محمد، للناس للتحذير والإنذار،: هل أخبركم بأخسر الناس أعمالا على الإطلاق؟
“الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ْ” أي: بطل واضمحل كل ما عملوه من عمل، يحسبون أنهم محسنون في صنعه،
فكيف بأعمالهم التي يعلمون أنها باطلة، وأنها محادة لله ورسله ومعاداة؟” فمن هم هؤلاء الذين خسرت أعمالهم،
“أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ ْ” أي: جحدوا الآيات القرآنية والآيات العيانية، الدالة على وجوب الإيمان به، وملائكته، ورسله، وكتبه، واليوم الآخر.
“فَحَبِطَتْ ْ” بسبب ذلك “أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا ْ” لأن الوزن فائدته، مقابلة الحسنات بالسيئات، والنظر في الراجح منها والمرجوح، وهؤلاء لا حسنات لهم لعدم شرطها، وهو الإيمان.

من الآية 107: 108

“إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا ْ”
التفسير: حولا: تحولًا وانتقالًا.

الآية 109 “قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ْ”
التفسير: مددًا: عونًا وزيادة.

الآية 110 “قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ْ”

مواضيع قد تعجبك