سورة آل عمران

سورة آل عمران

عن أبي أمامة الباهلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه، اقرءوا الزهراوين البقرة وسورة آل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غمامتان أو كأنهما غيمتان أو كأنهما فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما، اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البطلة”

سورة آل عمران وهي سورة مدنية، تحدثت السورة بالتفصيل عن النفاق والمنافقين وموقفهم من تثبيط همم المؤمنين، ثم ختمت بالتفكر والتدبّر في ملكوت السماوات والأرض ..

سورة آل عمران مسموعة ومقروءة :


قصص من سورة آل عمران في القرآن الكريم

ورد في سورة آل عمران ثلاثة قصص قرآنية هنّ على التوالي:

1- قصة اصطفاء الله عزوجل لمريم بنت عمران

2- قصة المباهلة

3- قصة مقتل أبيّ بن خلف.

1- من سورة آل عمران قصة اصطفاء الله عز وجل مريم بنت عمران عليها السلام


  انتبه معنا حتى نهاية القصة فنحن سوف نتناول إلى جانب اصطفاء الله لمريم عليها السلام قصة مولد كل من يحيى وعيسى عليهما السلام.

القرآن الكريم لم يذكر امرأة باسمها على الإطلاق سوى إسم السيدة مريم عليها السلام
وقد ذكر اسمها في نحو 30 موضعا من القرآن الكريم بخلاف “سورة آل عمران”
وبخصوص ورود ذكر عيسى عليه السلام منسوبا الى أمه, فإنّ  الله تبارك وتعالى
أراد بذلك أن يشعر القلوب بنفي أبوة الله عزوجل له عليه السلام، وليشعر القلوب بنزاهة الأم الطاهرة عن مقالة اليهود.

وردت هذه القصة في سورتي آل عمران وأكملت في سورة مريم, ففي سورة آل عمران يقول المولى عزّوجل:
وَإِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ

وفي سورة  مريم يقول المولى  تبارك وتعالى: “وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً

  • حقيقة كون السيدة حنة عاقر

ذكرت الروايات التاريخية أنّ والد مريم عليها السلام هو عمران بن أثان وأمها حنة،
وينحدران من أسرة مشهود لها بالتقوى والصلاح فشقيقتها “ليا” هي زوجة النبي زكريا عليه السلام.

وبذلك يكون زكريا زوج خالة مريم عليهما السلام،  وشاءت إرادة المولى تبارك وتعالى أن تعيش  الأختان
حنا وليا فترة من الزمن عاقرتان لا تنجبان, مما ترك هذا الأمر أثرا في نفوسهنّ تغلبن عليه بالتضرع
الى الله تعالى والتعبّد الى الله عزوجل  تتهجدان طيلة ليلهنّ تعبدا بضراعة وشفاعة وكل منهنّ
تسأل مولاها في أن يمنّ الله عليهنّ بالذرية الطيبة.

  • معجزة الحمل بالسيدة مريم 

تشاء إرادة المولى سبحانه وتعالى لحنة امرأة عمران بالحمل
الذي جلا عن نفسها كل هم وغم وحزن ليغمر قلبها بالفرح الذي كللته الابتسامة على
وجهها والشكر والحمد على منطوق لسانها… لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ …
فخرّت ساجدة لله تعالى حمدا وشكرا على انعامه وتفضله عليها
ونذرت لأن تهب مولودها في خدمة الهيكل خالصا لوجه الله تعالى الكريم,
وقد عبّر القرآن عن هذا الشكر والعرفان بقوله عزوجل:

إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

وتمرّ أيام الحمل على السيدة العابدة المتبتلة الويقة الصلة بخالقها عز وجل, والجنين في أحشاءها ينمو مع كل تلك الروحانية المطلقة والطمأنينة تخيّم على جميع مناحي  المكان من حولها… وتقتضي سنة الله في خلقه أن يختار الله عمران الزوج الحنون والرؤوم  الى جواره.

  • مولد مريم العذراء عليها السلام

ويأذن الله للأم الصابرة بأن حنة زوجة عمران حملها في مدينة الناصرة بفلسطين
وتكون أنثى وتطلق عليها مريم اسما, وقد عبّر القرآن الكريم عن هذا  بقوله تعالى:

إني وضعتها أنثى” وليس الذكر كالأنثى “وإني سميتها مريم” “وإني أعيذها وذريتها من الشيطان الرجيم

ويدل هذا على الإستسلام المطلق لله جل وعلا، فهي تدعو الله عز وجل
أن يحفظ لها ابنتها من همزات الشياطين ونفخها ونفثها.

وبمجرّد ولادتها حملتها أمها وهي في لفائفها إلى الهيكل, وكانت أمها وخالتها
تتناوبان على خدمتها بين حين وآخر وكل واحدة منهنّ ترعاها بطريقتها،

على حين زكريا عليه السلام زوج خالتها لم يكن ليبرحها من صباح أو مساء,
خاصة وهو يراها سلواه كتعويض عن النقص الذي يعتريه من حرمان الولد

وقد عبّر القرآن الكريم عن هذا بقوله تبارك وتعالى:

فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً

واتخذ زكريا عليه السلام لنفسه مكانا في الهيكل ليكون قريبا منها،
حتى اشتد عودها واكتملت حسنا وأنوثة وتفتحت أكمام زهرة إيمانها.

كما ورد في سورة آل عمران …

ذات مرّة دخل عليها زكريا عليهما السلام فوجد عندها ثماراً وفاكهة شتى منها
ماكان بموسمها ومنه بغير موسمه, جعله يسألها سؤال عجب :
يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا أجابته: هو من عند , إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ

فما كان منه عليه السلام الا أن رفع كلتا يديه السماء قائلا: “قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً“.

 وقد استجاب له سبحانه وتعالى وأوحى إليه أن: يا زكريا انا نبشرّك بغلام اسمه يحيي لم نجعل له من قبل سميّا

هكذا تلقى زكريا البشرى من الله عزوجل, ثم قال وكيف لي بالولد
وأنت تعلم يا ربّ أنّ امرأتي مسنة هرمة  ولا تنجب، وقد عبّر القرآن الكريم عن هذا في سورة آل عمران:

قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً
وما أن تلقى  الاجابة من السماء بقوله تعالى: قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ
وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً ، حتى خرّ ساجدا في سجدة طويلة تكتنفها الدموع
الحرّة لتبلل لحيته ومكان سجوده وما أن رفع رأسه حتى طلب من الله أن يؤيده بآية من
عنده كعلامة ودلاله للناس من حوله فورد في قوله تعالى: : “قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً
فتأتيه الاجابة من السماء بقوله تعالى: “أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً”

كل تلك الأحداث وزكريا لا يزال في محراب مريم عليهما السلام
ثم خرج من المحراب على قومه لينقل لهم شأن المعجزة الإلهية التي أولاه الله إياها
وهذا ما عبّر عنه القرآن الكريم بقوله: “فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً
وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

لا تنتهي القصص في سورة آل عمران حتى هنا انتظر لتتعرف معنا على باقي قصص هذه السورة العظيمة ..

مولد يحيي عليه السلام


وأطلّ المولود المبارك المعصوم من الذنوب والذي سمّاه  الله عزوجل يحيي بنفسه الجليلة, يقول الله تعالى:

فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ ومعنى حصورا: أي معصوما من الذنب, ومعنى:لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيّاً: أي لم يسمى أحدا قبله بهذا الاسم, ويحيي عليه السلام هو العبد الوحيد الذي نال هذه الكرامة من الله تبارك وتعالى بأن سمّاه بنفسه وقد كلفه الله تبارك وتعالى بالرسالة منذ ولادته بقوله: يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً (12) وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيّاً (13) وَبَرّاً بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيّاً (14) وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً (15)

نعود الى متابعة قصة مريم عليها السلام التي بقيت في عزلتها عن الناس في محرابها
تؤدّي فرائض ربّها بالعبادة والخدمة, لايهمها شيء من دنياها سوى رضا الله عز وجل
خاصة وقد توافرت لها جميع أسباب الرعاية الربانية من كل وجوهها تفيض عليها باليمن والخير والبركات.

  • حمل مريم بعيسى عليهما السلام

ذات يوم, وهي في عزلتها عن الناس تعبدا لله تعالى أتاها جبريل عليه السلام بهيئة رجل
الأمر الذي جعلها تجفل لحركة من خلفها وهي لا تعلم كيف اقتحم عليها وحدتها وخلوتها مع نفسها
فألهمها الله تعالى لأن تستعيذ بالله منه, وهذا ما عبّر عنه القرآن بقوله تعالى: “فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً (17) قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً (18) قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً (19) قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً (20) قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً (21)”

هذه الكلمات واضحة وجلية تشرح نفسها بنفسها، ومعنى أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً
أي حتى وإن كنت تقياً كيف دخلت الى هنا ومن تكون؟ فخفف جبريل من روعها
وشرح لها أنه رسول من الله تعالى ليهب لها غلاما سيكون له شأن عظيم في الأولين والآخرين

وأنه عبد مأمور من الله تعالى ولا يستطيع أن يغادرها قبل أن ينهي المهمة الموكلة إليه من قبل المولى عز وجل
لقد كان علمها بأمر الغلام أشد بلوى ومصيبة عليها من وطأة وجوده معها
ولكن عندما أخبرها بأنّ ما هي فيه إنما هو مرهون بأمر الله،

فما كان أمام هذه الحقيقة الا الاستسلام لأمر الله, وأدى جبريل المهمة الموكلة إليه
ثم غاب عن ناظري مريم ليتركها في دوامة لا حدود لها فينتابها الوسواس
ويعتري الخوف جوانبها, خاصة وهي الطاهرة المطهرة العفيفة البتول
العابدة الطائعة الصديقة المخلصة لله الصالحة ,هكذا عرفها الناس من حولها.

مولد عيسى عليه السلام


وهكذا كلما تخيّلت الواقعة تحاول نسيان ما حدث بالدعاء الى الله تعالى وكلها ثقة به سبحانه وتعالى
أنه سوف يخلصها مما فيه بحكمته العادلة, فاستسلمت لأمر مشيئته وهي آمنة مطمئنة

حتى حان الموعد, خرجت من مدينة “القدس” إلى مدينة “الناصرة” مسقط رأسها
وهناك وفي بيت ريفي اعتزلت الناس وهي تدّعي المرض فراراً من رؤية الناس لسترة بطنها
وما أن حل اليوم الموعود بخروج الطفل إلى الدنيا حتى استعدت للأمر الجلل,

فخرجت من عزلتها ووحدتها وقد أسلمت نفسها لله تعالى فقادتها قدماها إلى مكان مقفر
بجوار نخلة يابسة, وما أن جلست اليها  حتى فقدت كل قدرة عن الحركة وهي لا تعلم أنها
تعاني من آلام المخاض, والتي أعقبتها ميلاد ابنها عيسى عليه السلام.

سورة آل عمران

2- قصة المباهلة


﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ 

المعنى اللغوي للمباهلة فهي الملاعنة و الدعاء على الطرف الآخر بالدمار و الهلاك
قوله عَزَّ و جَلَّ ﴿ … نَبْتَهِلْ … ﴾ أي نلتعن

لقد أجمع العلماء في كتب التفسير و الحديث على أن هذه الآية نزلت في خمسة هم :
1. النبي الأكرم محمد رسول الله ( صلَّى الله عليه و آله ) .
2. الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) .
3. السيدة فاطمة الزهراء( عليها السَّلام ) .
4. الإمام الحسن بن علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) .
5. الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليه السَّلام ) .

كتب النبي ( صلَّى الله عليه و آله ) كتاباً إلى ” أبي حارثة
” أسقف نَجران دعا فيه أهالي نَجران إلى الإسلام، فتشاور أبو حارثة مع
جماعة من قومه فآل الأمر إلى إرسال وفد مؤلف من ستين رجلاً من كبار نجران
و علمائهم لمقابلة الرسول ( صلَّى الله عليه و آله ) و الاحتجاج أو التفاوض معه،

وما أن وصل الوفد إلى المدينة حتى جرى بين النبي و بينهم نقاش و
حوار طويل لم يؤد إلى نتيجة ، عندها أقترح عليهم النبي المباهلة ـ بأمر من الله ـ
فقبلوا ذلك و حددوا لذلك يوما ، و هو اليوم الرابع و العشرين من شهر ذي الحجة سنة : 10 هجرية .

لكن في اليوم الموعود عندما شاهد وفد نجران أن النبي صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم
قد اصطحب أعز الخلق إليه و هم علي بن أبي طالب وابنته فاطمة و الحسن والحسين،
وقد جثا الرسول عليه الصلاة والسلام على ركبتيه استعدادا للمباهلة،
انبهر الوفد بمعنويات الرسول و أهل بيته و بما حباهم الله تعالى من جلاله و عظمته ، فأبى التباهل .

قال العلامة الطريحي ـ صاحب كتاب مجمع البحرين

و قالوا : حتى نرجع و ننظر ، فلما خلا بعضهم إلى بعض قالوا للعاقِب و كان ذا رأيهم:
يا عبد المسيح ما ترى ؟ قال والله لقد عرفتم أن محمدا نبي مرسل و لقد جاءكم بالفصل
من أمر صاحبكم ، والله ما باهَل قومٌ نبيًّا قط فعاش كبيرهم و لا نبت صغيرهم،
فإن أبيتم إلا إلف دينكم فوادعوا الرجل و انصرفوا إلى بلادكم ، و ذلك بعد أن غدا النبي
آخذا بيد علي و الحسن والحسين ( عليهم السَّلام ) بين يديه ، و فاطمة ( عليها السَّلام ) خلفه

وخرج النصارى يقدمهم أسقفهم أبو حارثة، فقال الأسقف: “إني لأرى وجوها لو سألوا
الله أن يزيل جبلا لأزاله بها، فلا تباهلوا، فلا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة”
فقالوا : يا أبا القاسم إنا لا نُباهِلَك و لكن نصالحك، فصالحهم رسول الله عليه الصلاة والسلام
على أن يؤدوا إليه في كل عام ألفي حُلّة ، ألف في صفر و ألف في رجب، و على
عارية ثلاثين درعا و عارية ثلاثين فرسا و ثلاثين رمحا .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” و الذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلّى على أهل نجران،
و لو لاعنوا لمسخوا قردة و خنازير و لأضطرم عليهم الوادي نارا ، و لما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا ”

قصة مقتل أبيّ بن خلف
كانت واقعة أحُّد يوم السبت النصف من شوال في السنة الثالثة للهجرة
وكان سببها أن المشركين حين قتل من أشرفهم من قتل يوم بدر، وسلمت العير بما فيها
من التجارة التي كانت مع أبي سفيان, قال أبناء القتلى وبعض سادة من بينهم
“أبي بن خلف الجحمي قريش” لأبي سفيان:

“ارصد هذه الأموال لقتال محمد-صلى الله عليه وسلم”

فأنفقوها في ذلك, فجمعوا الجموع والأحابيش وأقبلوا في نحو 3000 حتى
نزلوا قريبا من أحُّد تلقاء المدينة, فلما فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من صلاة يوم الجمعة،

استشار الناس: أيخرج إليهم أم يمكث بالمدينة؟ فأشار عبد الله بن أبي بن سلول بالمقام بالمدينة
ولم يكن يعلم النبي صلى الله عليه وسلم عنه أي شيء وأنه منافق,  على حين أشار فريق آخر من الصحابة ممّن لم يشهد بدراً  بالخروج إليهم, وسار عليه الصلاة والسلام في ألف من أصحابه رضوان الله عنهم أجمعين, ونزل قوله تبارك وتعالى في سورة آل عمران 149- 152:

يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِن تُطِيعُوا۟ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ يَرُدُّوكُمْ عَلَىٰٓ أَعْقَٰبِكُمْ فَتَنقَلِبُوا۟ خَٰسِرِينَ (١٤٩) بَلِ ٱللَّهُ مَوْلَىٰكُمْ ۖ وَهُوَ خَيْرُ ٱلنَّٰصِرِينَ (١٥٠)سَنُلْقِى فِى قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُوا۟ ٱلرُّعْبَ بِمَآ أَشْرَكُوا۟ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِۦ سُلْطَٰنًا ۖ وَمَأْوَىٰهُمُ ٱلنَّارُ ۚ وَبِئْسَ مَثْوَى ٱلظَّٰلِمِينَ (١٥١)وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُۥٓ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِۦ ۖ حَتَّىٰٓ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَٰزَعْتُمْ فِى ٱلْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّنۢ بَعْدِ مَآ أَرَىٰكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلْءَاخِرَةَ ۚ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ ۖ وَلَقَدْ عَفَا عَنكُمْ ۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ (١٥٢)

لقد ثبت في الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال
“رأيت يوم أحد عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم وعن يساره رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه أشد القتال, ما  رأيتهما قبل ذلك اليوم ولا بعده”
ويقصد
رضي الله عنه جبريل وميكائيل عليهما السلام.

من المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يقتل أحداً رغم غزواته العديدة
الا “أبي بن خلف الجمحي” ذلك لما ورد بأنّ “أبي بن خلف” كان قد حلف بمكة ليقتل رسول الله
صلى الله عليه وسلم، ولما بلغت  النبي صلى الله عليه وسلم حلفته قال عليه الصلاة والسلام: “بل أنا اقتله ان شاء الله“.

مواضيع قد تعجبك