ما هي أطول آيه في القرآن الكريم وما الحكمة من ذلك؟

أطول آيه في القرآن

سورة البقرة من أعظم سور القرآن الكريم كما بيّن رسولنا الكريم، وبها أطول آيه في القرآن من حيث عدد الكلمات والحروف
وقد احتوت السورة على أحكام كثيرة جداً في المعاملات والعبادات، ومن تلك المعاملات الديون التي تتكرر كثيراً في حياة الناس وينتج عن عدم الانضباط والالتزام بالشرع خلافات متكررة و مشاكل كثيرة
ولهذا أمر الله – تعالى- بتوثيق الديون، والإشهاد على ذلك، وأفرد لها آيه كاملة في القرآن الكريم
وهي “آيه الدين” التي نستعرض سبب نزولها وبعض من أحكامها من خلال السطور التالية.

ما هي أطول آيه في القرآن الكريم ؟

“آيه الدين” هي أطول و أكبر آيه في القرآن الكريم من حيث عدد الكلمات و الحروف
كما أنها أطول آيه في سورة البقرة ، وهي رقم (282).
مطلعها قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه)
 ومختتمها قوله سبحانه: (واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم)
أما أصغر آية فى القرآن فهى الآية رقم (1) من سورة طه، وهي (طـــه).

أطول آيه في القرآن الكريم وسبب نزولها

إن “التداين” حاجة إنسانية لا غنى للناس عنه، وهو من أعظم أسباب رواج المعاملات؛
ذلك لأن المقتدر على تنمية المال قد يحتاج المال، فيضطر إلى “التداين”
ليظهر مواهبه في التجارة، أوالزراعة أو  الصناعة؛ ولأن صاحب المال قد تنفذ أمواله
فإذا لم يتداين اختل نظام ماله، ما يؤدي بالتالي إلى اختلال النظام المالي للمجتمع
ولهذا ولغيره من الأسباب شرع الله تعالى للناس “التداين” تيسيراً لمعاملاتهم وتجاراتهم
واستثماراً لطاقاتهم الإيجابية في المجتمع، وإبقاء للمجتمع محافظاً على نشاطه وحيويته ونموه.

وقد وردت في شأن “الدَّين” أطول آيه في القرآن الكريم، مطلعها قوله تعالى:

(يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه)
ومختتمها قوله سبحانه: (واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم)

وسبب نزول هذه الآية – حسب ما تذكره كتب التفسير و ما رواه الطبري وغيره- عن ابن عباس رضي الله عنهما
في قوله: (يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه)،
قال: أُنزلت في “السَّلَم” إلى أجل معلوم.
وذكر الإمامان الرازي وابن كثير، أن الآية نزلت في “السَّلَف” – وهو “السَّلَم” عينه – لأن النبي صلى الله عليه وسلم قَدِم المدينة، وهم يسلفون في التمر السنتين والثلاث
فقال صلى الله عليه وسلم: “من أسلف، فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم”، متفق عليه.

حيث نزلت الآيه بخصوص بيع “السَّلَم”، وهو بيع ما ليس موجود، ولكنه قابل للوجود.
وأن “القرض” يدخل في معنى “التداين”؛ لأنه بمعنى “السَّلَم” في المحصلة
وبالتالي يتعين كتابة المتفق عليه بين المتعاملين في كلا التعاملين: “السَّلَم” و “القرض”.

والمراد بـ “السَّلَم” في قول ابن عباس رضي الله عنهما: “السَّلَف”
وهو: أن يدفع شخص مالاً مقابل سلعة معلومة في أجل محدد
فكأن صاحب المال قد “أسلم” أو “سلَّم” الثمن إلى صاحب السلعة
والسلعة ليست موجودة الآن، ولكنها في طور الوجود.

أطول آيه في القرآن الكريم (آيه الدَّين) مكتوبة

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ
وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا
فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ
وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء
أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاء إِذَا مَا دُعُواْ وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ
فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلاَّ تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوْاْ إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلاَ يُضَآرَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ
وَإِن تَفْعَلُواْ فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللّهُ وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)

أطول آيه في القرآن

فوائد وأحكام من أطول آيه في القرآن (آية الدَّين)

حملت “آية الدَّين” الأمر الإلهيّ بتوثيق الديون والقروض بين الناس، والإشهاد عليها؛
نظراً لما يترتّب على ذلك من حماية أموال النّاس، الأمر الذي يقود بدوره لاستمرار التعاون بين أفراد المجتمع
والمحافظة على الودّ بينهم، وقد استنبط العلماء من هذه الآية أحكامًا وفوائدًا غايةً في الأهميّة، نذكر من أبرزها:

  1. “جاء الأمر الإلهي بما تضمنته الآية من أحكامٍ مُصدّراً بالنداء، وموجّهاً للذين آمنوا،
    قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)، وفي ذلك دلالة لا تخفى في استنهاض إيمان المسلمين
    لامتثال أمر الله فيها، وفيها إشعارٌ أنّ من يتجاهل ذلك الأمر إيمانه ناقص؛
    لأن كل من يدَّعي الإيمان، ثم يخالف ما يقتضيه هذا الإيمان فإن دعواه ناقصة إما نقصاً كلياً، أو نقصاً جزئياً”.
  2. “تضمّنت الآيه تأكيداً على أنّ الإسلام كما يحرص في تشريعاته على العبادات- التي هي معاملة الخالق-
    فإنّه يحرص كذلك على المعاملات الخاصّة بتنظيم حياة الناس، ومنها: المعاملات الماليّة، والعلاقات الاقتصاديّة”.
  3. “بيّنت الآية أقسام الدَّين، وأثبتت مشروعيّته، سواءً كان الدّين ثمن سلعةٍ معيّنةٍ، أو قرضاً حسناً، أو مهراً مؤجّلاً، أو أجرة عملٍ ما، وسائر أنواع الديون ضمن ضوابطها الشرعيّة”.
  4. “حملت الآية الكريمة جواز بيع السَّلم، بمعنى جواز تعجيل الثمن، وتأخير العين المُثمّنة

    وفي هذا يقول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (مَن أسلَف في شيءٍ ففي كَيلٍ معلومٍ، إلى أجلٍ معلومٍ)“.

  5. “قضت الآية بوجوب توثيق الدَّين المؤجل بقيدٍ مكتوبٍ؛ لقوله تعالى: (فَاكْتُبُوهُ)؛
    ويؤكّد ذلك قوله -عزّ وجلّ- في آخر الآية:
    (إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ)؛
    وبالرّغم من أنّ مذهب جمهور أهل العلم على عدم وجوب كتابة الدَّين المؤجل؛
    استناداً لقوله تعالى في الآية التي تلي آية الدَّين:
    (فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ)،
    إلا أنّ هذا القول لا يشمل ما إذا كان الدائن متصرّفاً في مال غيره، مثل وليّ اليتيم؛
    فإنّه يلزمه توثيق الدَّين؛ خشية فوات حقّه في ماله”.
  6. “في قول الله تعالى: (وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ) إشارةٌ إلى ضرورة تحقّق البينيّة بين طرفي الاتفاق
    وهما الدّائن والمدين، وهذا يقتضي حضورهما، كما تحمل الآية شروط الكاتب،
    حيث يجب أن يكون محسناً للكتابة وفق مقتضى العقد، وأن يكتب بالعدل دون إجحافٍ لحقّ أحدٍ،
    وهذا يلزم عنه أن يكون عالماً بالأحكام الشرعيّة المترتّبة على العقد القائم على الدَّين،
    ونهاه الشرع أن يماطل أو يرفض تقييد العقد إذا طُلب منه،
    حيث قال تعالى: (وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ ۚ)”.
  7. “أجاز الشرع للدائن أن يوثّق الدَّين، ولكنّه حذّره من الزيادة أو النقصان فيه

    فقال سبحانه: (وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ)
    مع جواز أن يكون المدين هو الكاتب على اعتبار أنّ الله -عزّ وجلّ- قد حذّر في مواطن أخرى
    من الانحراف عن جادّة الصواب في الأحكام والتوثيق؛
    فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ)”.

  8. “كشفت الآية عن أسباب القصور عن الإملال والتوثيق، وهي: السّفه؛ فلا يحسنُ التصرّف، والضعف
    ويدخل فيه صغير السّن، وعدم الاستطاعة، مثل: المرض أو العمى ونحو ذلك.
  9. “أمر الله تعالى بشهادة الشهود في توثيق الدين، على أن يتمّ اختيارهم برضا الطرفين
    قال تعالى: (وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ)”.
  10. “يجد المتأمّل في آية الدَّين والتي تليها أنّ التشريعات الإسلاميّة شديدة الحرص على حماية حقوق الناس
    وأموالهم، حيث شرعت لهم كتابة الدين والإشهاد والرهن كضماناتٍ لأموالهم
    حتى لا تذهب هباءً لنسيانٍ أو لجحدٍ أو لخلافٍ حول قدرها
    وهذا كلّه مما يؤكّد تفرّد الشريعة الإسلاميّة في الجمع بين مصالح الدنيا والآخرة”.
تفسير أطول آيه في القرآن (آيه الدَّين)

الكلام عن تفسير “آيه الدَّين” طويل، حيث أنها تحتوي على ثلاثين حكمًا- كما قال خويز منداد فيما حكاه عنه القرطبي-
فتحدثت الآيه عن آداب الدَّين والمعاملات التجارية، كما تضمنت العديد من أحكام المعاملات، وآداب التعامل
وضروب البلاغة، ووجوه من اللطائف.
والمقصود منها إجمالاً: هو التوثيق للمعاملات والمداينات بالكتابة والإشهاد.

 

مواضيع قد تعجبك