المحتوى الرئيسى

أسرار الحرية والنضال والاعتقال في حياة وردة الحركة الطليعية «فتحية العسال»

06/15 15:49

عاقبها شقيقها بقص خصله من شعرها لانها نظرت من النافذه!

حرمها والدها من التعليم خوفاً عليها..واول كتاب قراته كان لسلامه موسي

تعرفت علي زوجه تاجر مخدرات لتهرب عبرها الرسائل الي زوجها المعتقل

انفصلت عن زوجها وبعد ثلاث سنوات تجدد الحب بينهما وعادا من جديد

“رفضتُ ان اخط خطاًُ واحدا علي الورق ما لم يكن نابعا من اعماقي، ومعبرا عن حقيقه المراه وقدرتها علي العطاء، لذلك استحلفت قلمي بان يتوقف ولا يسطر حرفا واحدا مستضعفا او مقهورا، ان شعر اني قد جبنت عن قول الحقيقه، ثم طلبت منه ان يساعدني علي ان اخرج الي الوجود. عددا من النساء اعايشهن واتقرب منهن متكلمه بالسنتهن.. بذلك نتعري تماما امام انفسنا ونجلو صدا السنين ونصرخ في وجه الظروف والاوضاع التي حرمتنا من تفجير طاقاتنا البشريه”.

هكذا كانت تردد الكاتبه الكبيره الراحله فتحية العسال، التي توقف “محيط” عند اشهر محطات حياتها، ورسم لها صوره في عيون اصدقائها ومحبيها.

وصفها الشاعر والناقد شعبان يوسف بانها “ورده الحركه الوطنيه والطليعيه”، منذ بدايه الخمسينيات، فهي ابنه حي شعبي، التقت بالحركه اليساريه علي وجه الخصوص مبكراً، وتزوجت عبدالله الطوخي القاص والروائي، وقبض عليه عام 1954، وكانت تعتبر “دينامو” وحلقه الوصل بين داخل السجن وخارجه، لم تكمل تعليمها، لكنها استطاعت تعلم القراءه والكتابه بنفسها، وهي شقيقه الكاتبه نجيبه العسال التي ابدعت في الستينات.

واعتبر يوسف فتحيه العسال، كاتبه مكافحه مثال للعصاميه، والداب الشديد لتعليم نفسها، لتصبح من اكبر كتاب السينما والتليفزيون.

دخلت المعتقل وكانت بروحها تشعر من معها من النساء، بانهن يناضلن في درب اخر، وروي لـ”محيط” تجربتها في اعتصام المثقفين داخل وزاره الثقافه بالزمالك عام 2012، قائلاً انه في ظل سنها ووعكتها الصحيه كانت تذهب للاعتصام مبكراً يومياً، لتستقبل كل الوفود وكان دورها غير عادي في الاعتصام، كما انها لم تتخلف يوماً عن مسيره رغم ظروفها الصحيه، فكانت تصحب بهاء طاهر معها في سيارتها وتمشي معنا في المسيره بالسياره، حتي تظل مشاركه ومتواجده، وحتي الفعاليات التي كانت تقام امام الوزاره، كانت تشارك بها بحماس وامل، كانت حريصه علي الا تتخلف يوماً عن الاعتصام، وتشارك به وهي مستنده علي اكتاف محبيها.

واكد شعبان ان فتحيه “رحلت واقفه كالاشجار”، واصفها بانها الاشراق الاكبر للحركه الوطنيه، ولها ديون عدديه عند المثقفين، فالجميع يدن لها بالعرفان.

اعتبرتها الكاتبه والمترجمه سهير المصادفه ام لجيلين، ووصفتها بانها كاتبه عصاميه جمعت بين الادب والنضال، وهو امر نادر في المشهد الادبي علي حد قولها.

وقد كانت الراحله كما تقول المصادفه مخلصه لقضيه المراه ودافعت عنها بشراسه، لذلك تري المصادفه ان كل امراه مصريه حزينه اليوم علي رحيل فتحيه العسال، التي تركت ارثاً من المسلسلات تتجاوز تخلف المجتمع المصري وتعالج سلبياته، واقول لها: “وداعًا فتحيه العسال.. كم احببتك وكم انا مدينه لك”!.

كذلك، اعربت الكاتبه والاديبه هاله فهمي رئيس شعبه القصه والروايه باتحاد الكتاب، عن حزنها الشديد لرحيل الكاتبه فتحيه العسال، مؤكده ان الراحله كانت سببا مباشرا في عودتها للحياه الادبيه بعد انقطاع دام 14 سنه.

وواصلت “فهمي” ان مسلسل “هي والمستحيل” للكاتبه الراحله فتحيه العسال، اعطاني دفعه لمواصله الادب والكتابه، واعطاني طاقه كبيره، لذلك انا مدينه لها بذلك، مشيره الي ان الراحله كانت كاتبه مناضله صاحبه تاريخ ليس مزيفًا لكن يشهد به الجميع منذ الستينيات فهي علّمت نفسها بنفسها، وتحملت الكثير مع زوجها المناضل عبدالله الطوخي، وتفوقت في مجالات كثيره، فكانت هي نفسها مستحيل!.

ووصفت فهمي العسال بانها كاتبه نشيطه ومحترمه ولها مواقف مشرفه، واعتبر رحيلها هو زفاف اخر علي عبدالله الطوخي، فقد كانت الراحله تشتاقه باستمرار وتتحدث عنه في كل المحافل، فقد كانت نعم الزوجه المخلصه.

واعلنت فهمي، عن اقامه حفل تابين للكاتبه الراحله الاحد القادم 22 يونيو المقبل، قائله: “من المفارقات ان الراحله هي من طلبت مني اقامه حفل تابين لها، رغم انها لم تكن مريضه حينها، ففي احدي المكالمات بيننا قالت لي الراحله “ها تعملي لي حفل تابين يا هاله في اتحاد الكتاب”، وبالفعل ساقيم لها هذا التابين كما طلبته مني.

“لم انل اي شهاده اكاديميه ولا حتي شهاده ابتدائيه، ولم يساهم احد في تعليمي، انما كل ذلك كان نتيجه رده فعل علي وضعي، اخرجني والدي من المدرسه وانا بعمر عشر سنين لانه خاف عليّ باعتباري بنت (مفتحه حبتين)، فقررت ان اعوض كل شيء حرمت منه، وابتدات اعلم نفسي، واول شيء فعلته محاوله كتابه اسمي، فيما بعد راي ابي اصراري وعنادي علي العلم فبدا يساعدني في بعض الكتب الدراسيه، عند اتقاني القراءه والكتابه، اصبح والدي يعطيني الصحيفه لاقرا له اخبار (هتلر) كون نظارته مكسوره”.

تقول: اول كتاب قراته كان “عقلي وعقلك” لسلامه موسي، وهذ الكتاب هو الذي وجهني لما انا فيه، ثم اتي جبران خليل جبران وابتدات الحكايه.

لم تكن تلك الكلمات غريبه علي فتحيه العسال التي كانت نشطه حتي اخر ايام حياتها، فقد كانت عضوه نشيطه ومهمه في عده مؤسسات وجمعيات تهتم في الدفاع عن المراه وحقوق الانسان، فقد كانت امينه اتحاد النساء التقدمي- عضو حزب التجمع، لها عده اصدارات في المسرح والقصه والروايه نذكر منها “هل انا حره ام ادعي الحريه”، مسرحيه “سجن النساء”، مسرحيه “بلا اقنعه”، مسرحيه “البين بين”، كتبت للتلفزيون عديد من الاعمال منها “حسن الذوق”، مسلسل بدر البدور اللذين اخرجهما احمد الحريري، وكتبت “هي والمستحيل”، “لحظه صدق”، “حصاد العمر”، “لحظه اختيار”، “العوده الي الحياه”، “حصاد الحب”، واخيرا اصدارها لسيرتها الذاتيه من جزاين تحت عنوان “حضن العمر” عن هيئه الكتاب.

وكانت الراحله تري سيرتها الذاتيه، احد اشكال التطهر النفسي عبر القاء التجارب علي الورق وعبر التاكيد لذواتنا اننا لا نخجل منها، فيتحول العبء النفسي الي تجربه حياتيه شكلت الرؤيه وصاغت الاحداث.

“اللحظه الاجمل في حياه الانسان هي التي يقفُ فيها امام حقيقته عارياً، فيقبلها ويحبُ ما يشعر”.

حياه فتحيه العسال كما نتعرف عليها من سيرتها ليست حياه عاديه، فهي حياه حافله مزدحمه علي المستويين: الخاص والعام، حياه عاصرت فيها المظاهرات المصريه ضد الاستعمار الانجليزي واكملت مسيرتها بالتعلم الذاتي حتي اصبحت من ابرز الكاتبات.

يتناول الجزء الاول من سيرتها الفتره من 1933 “تاريخ ميلاد الكاتبه” وحتي عام 1953 “عندما اعتقل زوجها عبد الله الطوخي”.

تحكي الكاتبه عن تكوينها النفسي، فقد مورس عليها مختلف اشكال القهر تاره باسم التقاليد وتاره باسم الشرع وتاره باسم المفروض. فبرغم ان العسال كانت تنتمي الي عائله متوسطه الا انها حرمت من التعليم في المرحله الابتدائيه ووضعت تحت رقابه شديده من قبل اخيها حسني، الذي قام بقص خصله من شعرها ذات يوم عقابا لها علي الوقوف امام النافذه، كما انها لم تفلت من قبضه يده عندما شاهدها ذات يوم تسير في احدي المظاهرات المناهضه للاستعمار الانجليزي.

لكن العسال لم تستسلم، واصرت علي تعليم نفسها، وبدات في كتابه القصص، لينتهي الجزء الاول من سيرتها باعتقال زوجها عبد الله الطوخي عام 1953 بوصفه منتمي الي الحزب الشيوعي.

يدور الجزء الثاني من سيره العسال عن حياتها اثناء اعتقال زوجها، فكانها تواجه العالم لاول مره بمفردها (1953 ـ 1955)، تتخلل هذه الفتره ايضا تداعيات لحظه الانفصال (1982)، كما يحكي عن بدايه انخراط الكاتبه في النضال الجماهيري، اذ اصبحت مسئوله عن لجنه العائلات التي تتابع اخبار ذويها المعتقلين، ومن ثم انخرطت في الحياه الحزبيه السريه حيث كان زكي مراد هو مسئولها الحزبي وبعد اعتقاله حل صلاح حافظ محله، وساهمت سعاد زهير في عمليه تثقيفها سياسيا.

وشاركت العسال في المظاهرات التي تنادي بالغاء الاحكام العرفيه، وتوجهت الي محمد نجيب الرئيس انذاك لتطالب بتعميم المعامله (ا) علي المعتقلين وفي النهايه القي بها في تخشيبه قسم المطريه اربعه عشر يوما بمفردها مع طفلها الرضيع ايهاب.

وبرغم اعتقال الطوخي لم تتمكن العسال من رؤيته وتبادل الرسائل معه الا عبر “المعلمه جمالات كنكن” التي كان زوجها المعلم “كنكن” مسجونا علي ذمه قضيه مخدرات!، ساعدت المعلمه جمالات العسال خارج السجن وساعد المعلم “كنكن” الطوخي داخل السجن عبر تسهيل تبادل الرسائل.

وعن سبب انفصالها عن زوجها تقول: كنت دائماً اعلن ان سبب الطلاق هو خلافنا علي معاهده كامب ديفيد. لكن عندما تاملت التجربه وجدت انني كنت ارفض سيطره عبد الله علي كامراه، خرجت من عباءه وصايته علي وامتلاكه لي بطلب الطلاق.

بعد خروجه من السجن وبعد مرور عده سنوات علي انخراطي في العمل النضالي كان يسالني “فين فتحيه بتاعه زمان؟”، لم يعترف انني مستقله. كيف يمكنني ان امارس الحريه مع رجل غير متحرر من شبح الملكيه والموروث.

ولكن ما حدث بعد ذلك كما تقول هي، كان اشبه بفيلم سينمائي مصري, اذ التقيا بعد 3 سنين بالصدفه, وخلال ساعتين من الحديث اكتشفا ان الحب لا يزال يجمع بينهما, وتزوجا مره ثانيه في نفس المساء!.

“المسرح ابو الفنون هذه حقيقه لا يختلف عليها اثنان. لذلك كتبت اهداء له.. عشقي الاول والاخير. لقد امنت بان اهم ما يميز الكاتب المسرحي هو امتلاء روحه برساله انسانيه ساميه ينشرها بين الناس من اجل الارتقاء بحياتهم وتحريرهم من كل عوامل القهر والاستغلال وانتهاك الكرامات”.

هكذا تؤكد الكاتبه الراحله فتحيه العسال التي امنت برسالتها ودافعت عنها، لتظل مناضله قويه حتي اخر ايام حياتها.

كانت تري ان المسرح هو الضوء الذي ينير للانسان الطريق. ويؤمن التواصل مع المشاهد. التواصل الذي يولد الدفء بيننا سواء كنا امام النص المسرحي او امام خشبه المسرح.

كانت تؤمن بالمراه ودورها، وتقول: ان المراه التي تعرف الحمل طوال تسعه اشهر، قادره ان تبني مسرحيه محكمه ومتماسكه، شرط ان تكون حقا كاتبه مسرحيه!.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل