المحتوى الرئيسى

أمير الانتقام

05/17 18:44

لم أقع فى غرام رواية مثلما حدث لى مع «الكونت دى مونت كريستو» تأليف ألكسندر ديماس رغم تعدد إعجابى بكل الأنواع الأدبية فى التاريخ البشرى، هذا العمل الجميل تتمثل فيه روعة الخيال والحبكة لكن قيمته تبدو واضحة فى السلوك النبيل الذى عاشه البحار الشاب أدون دانت الذى هرب من السجن الرهيب، وعثر على الكنز الثمين، وقام بتصفية خصومه الذين تسببوا فى سجنه وهو برىء، وتخلص منهم جميعا دون أن تراق نقطة دم واحدة، كما أنه سدد الدين لكل من وقفوا إلى جواره، وارتبط بعلاقة صداقة مع حبيبته التى تزوجها أثناء غيابه أحد خصومه، مثلما شغفت بهذا العمل، فإن السينما المصرية كانت تمتلك نفس المشاعر، حيث تم إخراج هذه الرواية فى ستة أفلام، لعل أهمها هو فيلم «أمير الانتقام» إخراج هنرى بركات الذى كتب السيناريو مع يوسف عيسى، وقد أشرنا فى مقال سابق أن الاثنين كانا يقتبسان النصوص الأدبية وليس الأفلام، وقد شاهدت «أمير الانتقام» مجددا هذا الأسبوع بنفس الشغف الذى قرأت فيه الرواية للمرة الأولى، وتملكتنى الدهشة كأننى الصبى الصغير الذى تعاطف دوما مع البحار الذى دخل السجن بفعل الغدر، وظل محبوسا فى أقبية مظلمة سوداء لسنوات طويلة، لما هرب وعثر على الكنز شدته أضواء الانتقام، لكنه لم يكن أبدا دمويا، بل كان حريصا على الانتقام النبيل، وقد وقع بركات فى حب هذه الرواية، التى كتبت بنسيج بالغ الجاذبية، وقد ضم الفيلم طاقم التمثيل والغناء الذى كان فى أحسن حالاته، منهم أنور وجدى نفسه الذى بدا فى أحسن صورة وأداء، بعيدا عن الطريقة التقليدية التى عرفناه به، والغريب أن بركات لم ينتظر أكثر من اثنى عشر عاما ليعود لإخراج السيناريو نفسه مجددا فى فيلم «أمير الدهاء» عام 1963 من بطولة فريد شوقى أحد الذين عملوا فى الفيلم الأول، ورغم ضخامة الإنتاج، ونجومية المشاركين فيه، فإن «أمير الدهاء» الملون هو صورة باهتة من «أمير الانتقام»، هذا هو الفيلم المتكامل الذى شعر كل من يعمل فيه بالمسئولية، فتوهج أداء الجميع بما فيهم المطربة شهرزاد التى لم يعد يعرفها أحد، ورغم أن بركات لا يميل إلى أفلام الحركة فإنه أضاف إلى فيلمه بعضا من مشاهد المبارزات والقتال بين الخبثاء وبين الأمير العائد للانتقام، هناك رئيس الشرطة الذى قام بسجن حسن الهلالى وهو يعرف كم هو برىء، والغريب أن الفيلم قد أبقاه فى منصبه أكثر من عشرين عاما دون أن يتخلى عن قوة الشر فى مكمنه، ورأيناه يسعى للاستيلاء على الحكم، هناك اختلافات ملحوظة لم يستطع الفيلم أن يفسرها، الرواية تشير إلى أن المدعى العام هذا قد دفع بالبرىء إلى السجن الرهيب لأن اسم أخيه ورد فى الرسالة التى كان يحملها أدمون دون أن يعرف فحواها، إذا فأهمية هذه الرواية هى الانتقام النبيل، ولاشك أن الرفاق الثلاثة الذين كتبوا رسالة النميمة لم يمسوا البحار بأى جرح جسمانى، لكن ما أبشع الحياة فى السجن المظلم، الذى امتلأ بالقسوة، ورغم أن أدمون قد تعرف فى الزنانة على العجوز الذى دله على الكنز فإن الطريقة التى هرب بها السجين كانت أروع بكثير ما جاء فى الفيلم المصرى؛ حيث قام الحراس بإلقاء الجوال بداخله أدمون على أنه العجوز الميت واستفاد الهارب من مهنته كبحار وتمكن من السباحة والنجاة، لكن القلعة فى الفيلم المصرى كانت فى منطقة صحراوية وهرب حسن الهلالى بطريقة أقرب إلى السذاجة ومع هذا فإننا تقبلنا هذه التلفيقة وسط حبكة سينمائية  تجارية فنية نادرة.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل