المحتوى الرئيسى

السياحة في الصين: لماذا تنخفض معدلات السياحة الدولية على رغم من رفع قيود كورونا؟ - BBC News عربي

05/13 02:03

صدر الصورة، BBC/KATHERINA TSE

كشفت عطلة عيد العمال في الصين، والتي استمرت لخمسة أيام الأسبوع الماضي، عن تحدٍّ جديد يواجه الاقتصاد الصيني، وهو السياحة الداخلية، ليضاف إلى سلسلة من التحديات الهائلة التي تواجه النمو الاقتصادي في البلاد، على الأقل في المستقبل القريب.

وشهدت العطلة على تسيير 295 مليون رحلة داخل الصين، وفقا للأرقام الصادرة عن وزارة الثقافة والسياحة، ويعتبر هذا الرقم أعلى بنسبة 28 بالمئة من أرقام ما قبل الوباء المسجلة في عام 2019، ولا تقل أرقام وزارة النقل أهمية، إذ أعلنت عن إجراء 92 مليون رحلة بالسكك الحديدية؛ وما يقرب من 10 ملايين رحلة جوية و1.25 مليار رحلة على الطرق السريعة.

لكن تعكس هذه الأرقام مؤشرات عن السياحة الداخلية، فيما لا تزال أرقام الزيارات الدولية متأخرة، حيث يدخل الأجانب حاليًا إلى الصين بما مقداره 30 بالمئة من النسب التي كانت تُسجل عام 2019. فلماذا التفاوت؟

تعتبر مدينة وتشن- Wuzhen النهرية التاريخية الجميلة، التي تقع على بعد مسافة قصيرة بالسيارة من شنغهاي، واحدة من أفضل مواقع الزوار في الصين للمسافرين من مختلف الفئات، إذ تمتلئ الممرات الصغيرة والجسور القديمة التي تعبر أعلى الممرات المائية الضيقة بالزوار.

ومن الأشياء الشائعة التي يمكن القيام بها في "وتشن" التقاط الصور بعد ارتداء ملابس هانفو التقليدية، ليشعر الشخص كما لو أنه انتقل عبر الزمن إلى مئات السنين للوراء.

وصلت امرأتان في العشرينات من العمر، وصديقتان منذ المدرسة الثانوية، إلى مدينة "وتشن" قادمتان من مقاطعة جيلين في شمال شرق البلاد، وبعد وصولهن، أمضين ساعة في تصفيف شعرهن بأسلوب متقن يعود للعصر الإمبراطوري، وهنّ مأخوذتان في جمال المدينة الكلاسيكي.

تحدثنا إليهما، وسألناهما إذا ما كان أفراد عائلاتهن أوأصدقائهن أصبحوا أكثر تنقلاً داخل البلاد على إثر الانفتاح بعد فيروس كورونا، وكانت إجابتهما "بالطبع، بعد الوباء، جميعنا نزورالعديد من الأماكن."

في مكان قريب يقول رجل من السكّان المحليين للمدينة، يبيع الآيس كريم، إن أعداد السياح "ليست بذلك السوء في الآونة الأخيرة"، وبأنها قريبة من أعدادهم قبل الاغلاق على إثر انتشار فايروس كورونا.

فيما تؤكد مالكة متجر"وانغ ينغ" المتخصص في بيع الوجبات الخفيفة التقليدية، بأن الأوضاع تسير"على ما يرام، وسوف تتحسن أكثر"، وفق حديثها، والابتسامة لا تفارق وجهها.

صدر الصورة، BBC/KATHERINA TSE

شرح معمق لقصة بارزة من أخباراليوم، لمساعدتك على فهم أهم الأحداث حولك وأثرها على حياتك

ويعتبر هذا الإقبال على السياحة الداخلية أمرًا جيداً بالنسبة للحكومة الصينية، إذ أن الدفع في الاستهلاك المحلي من شأنه أن يرمم بعض الأضرار التي أصابت الاقتصاد.

فيما يكافح اللاعبون الرئيسيون في قطاع العقارات الذي كان قويا ذات يوم من أجل البقاء واقفين على أقدامهم، إذ تستمر ديون البلديات المحلية في الارتفاع، كما تسببت البطالة المستمرة بين الشباب في جعل خريجي الجامعات المؤهلين تأهيلا عالياً غير متأكدين من مستقبلهم.

وسط كل هذه التحديات، حدد الحزب الشيوعي هدف نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 5 بالمئة لهذا العام. وبصرف النظر عن حقيقة أن المحللين شككوا لفترة طويلة في صحة أرقام النمو الرسمية للبلاد، فإن الاقتصاديين يتساءلون إذا ما كان يمكن الوصول إلى مثل هذا الهدف بشكل حقيقي في عام 2024، دون أي تحفيز إضافيّ كبير.

من الممكن أن تشكل الزيادة في السياحة الداخلية واحداً من هذا الحوافز، لما توفره من فرص تجارية واسعة وزيادة في فرص العمل وتقديم الخدمات.

يقول شوبرت لو، الرئيس التنفيذي للعمليات في وكالة السفر Trip.com، لبي بي سي: "لقد شهدنا طلبًا قويًا للغاية على السفر المحلي، حيث ارتفع حجم البحث في الفنادق بنسبة 67 بالمئة مقارنة بالعام الماضي، وارتفع حجم الرحلات الجوية بنسبة 80 بالمئة".

من جهته، يترقب ينج هان، وهو مستشار مختصّ في قطاع السياحة ويعمل في مجلة Travel Daily، مسار الاستثمارات ليرى كيف ينظر مجتمع الأعمال إلى الإمكانيات الموجودة في هذا القطاع بالصين.

ويقول: "مع العلامات التجارية الفندقية العالمية الشهيرة، مثل فندق إنتركونتيننتال وماريوت وهيلتون، عليك فقط أن تنظر إلى نموها في الصين خلال عام 2023.. ثم تحقق من أهداف الأداء لهذه المجموعات الفندقية الكبيرة في عام 2024 والتي تم تحديدها أيضًا على أنها مرتفعة نسبيًا، ما يدل على أنهم متفائلون للغاية بشأن إمكانات النمو في السوق الصينية".

ولكن على الرغم من أن حجم المسافرين المحليين قد يكون مرتفعاً، إلا أن بنج يشير إلى مشكلة استهلاك الفرد الذي لا يزال منخفضاً بشكل مستمر.

ويقول إن عدم اليقين العام بشأن الاقتصاد الصيني يضع المزيد من التركيز على الادخار، لذلك يبحث الناس عن خيارات ذات قيمة منافسة، إذ إنهم يذهبون في إجازات ويدفعون ثمن الأشياء ولكنهم يفعلون ذلك بشكل أكثر اقتصادًا.

وهذا تحديداً هو الأمر الذي من الممكن أن تساعد فيه الزيادة في عدد السياح الأجانب للبلاد، الذين ينفقون بسخاء، لكن المشكلة ببساطة أن هذه الفئة لم تعد إلى الصين كما كان الحال سابقاً.

وفي عام 2019، جاء ما يقرب من 98 مليون زائر دولي إلى البلاد، بينما في العام الماضي جاء 35 مليونًا فقط، بما في ذلك رحلات العمل والطلاب وما شابه ذلك، فيما يقول شوبرت لو، إن السوق المحلية مقابل السوق الدولية "غير متكافئة".

بالنسبة للعديد من العاملين في صناعة السياحة والمتخصصين في تقديم الخدمات للمسافرين الأجانب، فإن كلمة "غير متكافئة" لا تصف المشكلة. إذ أدت السنوات الثلاث التي شهدت إجراءات الوقاية القاسية من فيروس كورونا إلى انخفاض عدد الوافدين من بلدان أخرى، لكن هذا وحده لا يمكن أن يفسر الوضع الحالي.

ويلقي هوانغ سونجشان، رئيس مركز أبحاث السياحة في كلية الأعمال والقانون بجامعة إديث كوان الأسترالية، باللوم في هذا الضعف جزئيًا على "المشهد الجيوسياسي المتغير على مستوى العالم".

صدر الصورة، Getty Images

تشير دراسة استقصائية أجراها مركز بيو للأبحاث عام 2023 وتم تقديمها في منتدى شرق آسيا، إلى أن "معظم الأفراد في الدول الغربية لديهم وجهات نظر غير مواتية تجاه الصين. ومن المحتمل أن تسبب قبضة الحكومة الصينية المشددة على الأنظمة المجتمعية عدم الراحة للمسافرين الأجانب في الصين."

فيما تكرر نصائح السفر الرسمية الصادرة عن بعض الحكومات هذا الشعور، وبصورة قاسية في بعض الأحيان.

مثلا، تحذر واشنطن المسافرين المحتملين إلى الصين، وتنصحهم "بإعادة النظر في السفر إلى البر الرئيسي للصين بسبب التطبيق التعسفي للقوانين المحلية، بما في ذلك ما يتعلق بحظر الخروج، وخطر الاعتقالات غير المشروعة".

كما وتنصح أستراليا بتوخي "درجة عالية من الحذر" محذرة من أن "الأستراليين قد يتعرضون لخطر الاعتقال التعسفي أو التطبيق الصارم للقوانين المحلية، بما في ذلك قوانين الأمن القومي المحددة على نطاق واسع".

كما أثرت البيئة السياسية سلباً على توفر رحلات الطيران وأسعارها، وهذا هو الحال بشكل خاص فيما يتعلق بالرحلات من وإلى أمريكا الشمالية. إذ بلغت الرحلات المقررة الشهر الماضي ذهابًا وإيابًا بين الصين والولايات المتحدة 332 رحلة مقارنة مع 1506 رحلة في أبريل/نيسان 2019.

ونتيجة لذلك، قد يكون العثور على مقعد على متن رحلة مباشرة أمرًا صعبًا للغاية، كما أن المقاعد المتوفرة باهظة الثمن.

وألقى الرئيس شي جين بينغ خطابا خلال حفل عشاء على هامش مؤتمر التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ في سان فرانسيسكو في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي تناول فيه هذه النقطة، وقال للحاضرين "اليوم، توصلت أنا والرئيس جو بايدن إلى توافق مهم .. سوف يطبق بلدينا المزيد من الإجراءات لتسهيل السفر وتعزيز التبادلات الشعبية، بما في ذلك زيادة رحلات الركاب المباشرة، وعقد حوار رفيع المستوى حول السياحة، وتبسيط إجراءات طلب التأشيرة. ونأمل أن يقوم شعبينا بالمزيد من الزيارات والاتصالات والتبادلات وكتابة قصص جديدة عن الصداقة في العصر الجديد".

ومنذ ذلك الحين، زادت واشنطن عدد رحلات الخطوط الجوية الصينية المسموح لها بالهبوط، ولكن مقدار الزيادة كان فقط من 35 رحلة أسبوعيًا إلى 50 رحلة، ولا يزال العدد أقل بكثير من 150 رحلة أسبوعية قبل فايروس كورونا.

وتتعرض إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لضغوط من النقابات وشركات الطيران الأمريكية التي تطالب بعدم زيادة عدد الرحلات. وتقول تلك النقابات إن شركات الطيران الصينية تمتاز عن نظيرتها الأمريكية بأنها تحظى بدعم الدولة، فلا تواجه الشركات الصينية المحلية الصعوبات الموجودة في الأنظمة والقوانين الصينية، كما أنها قادرة على التحليق فوق المجال الجوي الروسي، ما يجعل الرحلات أرخص وأقصر، وبالمجمل، تجعل هذه العوامل المقارنة بين القطاعين الصيني والأمريكي غير عادلة، وفق قولهم.

وجاء في رسالة موجهة إلى الحكومة الأمريكية من رئيس لجنة مجلس النواب المعنية بالصين، مايك غالاغر، وكبير ممثلي الديمقراطيين في اللجنة، راجا كريشنامورثي، ما يلي: "إذا توسعت سوق نقل الركاب بين الولايات المتحدة والصين دون أن تعالج الحكومة الأمريكية هذه القضايا المهمة، سيدفع عمال الطيران والمسافرون وشركات الطيران في الولايات المتحدة ثمناً باهظاً".

من جهته يقول شوبرت لو، إن تكرار رحلات الطيران الدولية له تأثير بالتأكيد على وضع السياحة، ويضيف: "ما نراه الآن، بناءً على بيانات الطيران المدني، هو أن سعة الرحلات الداخلية لن تعود حتى إلى 80 بالمئة من [مستويات] 2019 بحلول نهاية عام 2024".

وهناك عوامل إحباط محتملة أخرى لأولئك الذين يفكرون في السفر إلى الصين، مثل أنظمة الدفع والحجز الحديثة عبر تطبيقات الهاتف في البلاد والتي تعمل بسلاسة شديدة للمواطنين والمقيمين الصينيين، ولكنها يمكن أن تشكل صداعًا هائلاً بمجرد وصول الزائر للبلاد.

هناك بعض المواقع وخيارات النقل والمشتريات التي لا يمكن الوصول إليها إلا عبر التطبيقات الإلكترونية الصينية والتي تكون، في بعض الأحيان، متاحة باللغة الصينية فقط.

يعتبر البروفيسور تشن يونغ في كلية EHL لإدارة أعمال الضيافة في سويسرا، من الخبراء في اقتصاديات السياحة في الصين، ويعتقد أن العقبات المتعلقة بتطبيقات الدفع والحجز يمكن أن تشكل مشكلة حقيقية، ويقول "التقنيات مثل مواقع الشبكات الاجتماعية، والخرائط عبر الإنترنت، وتطبيقات الدفع، وغيرها، والتي اعتاد الأجانب على استخدامها منذ فترة طويلة، إما غير متوفرة أو لا يمكن الوصول إليها عندما يسافر السياح إلى الصين".

ويضيف يونغ "من ناحية أخرى، هناك بدائل صينية لهذه التقنيات التي لا تزال غير متاحة للأجانب بسبب الحواجز اللغوية والاختلاف في عادات المستخدم. نحن بحاجة إلى سد هذه الفجوة لأنها تؤثر بشكل سيء على صناعة السياحة."

وبالعودة إلى مدينة وتشن، أصبح وجود المسافرين الدوليين أقل بكثير مما كان عليه في السنوات الماضية، ولكن لا يزال هناك عدد قليل من الوجوه الأجنبية بين الزائرين.

يقول زوجان إيطاليان إن عملية الارتباط بتطبيقات الدفع الصينية واستخدامها كانت بمثابة تحدي، لكنها لم تكن مستعصية على الحل، ثم يضيفان وهم يضحكان "الأمر أسهل كثيرًا، كثيرًا، كثيرًا إذا كان لديك صديق صيني لمساعدتك".

صدر الصورة، BBC/KATHERINA TSE

يقول إليسيو، من كاليفورنيا، إنه واجه مشاكل في الدفع لصغار البائعين الذين لا يقبلون بطاقات الائتمان ولا يتعاملون بالنقد، كما أن هناك عقبة أخرى بالنسبة لإليسيو تتمثل في البنك الذي يتعامل معه في المنزل، والذي قام بحظر بعض المدفوعات، معتبراً أنها قد تكون احتيالية قادمة من الصين.

واعترف المسؤولون الصينيون بأن أعداد المسافرين الأجانب شهدت انخفاضاً لكنهم يحاولون الآن تغيير ذلك.

أهم أخبار كورونا

Comments

عاجل