المحتوى الرئيسى

"شم النسيم" قصة احتفال المصريين بأقدم الأعياد في التاريخ الإنساني

05/08 04:36

شهدت مصر القديمة أعيادا ميزتها عن سائر حضارات الشرق القديم، منها ما اندثر، وأخرى كُتبت لها الحياة مثل عيد الربيع، أو ما يعرف بـ “شم النسيم” هذا التقليد السنوي الذي يعود تاريخه إلى العصور المصرية القديمة، ويحتفل به المصريون منذ نحو ٤٧٠٠ عام ويعتبر أقدم الأعياد الشعبية في التاريخ الإنساني.يأخذ مشهد الاحتفال بعيد الربيع، طابعاً أقرب للمهرجان الشعبي، تجتمع فيه الأسر المصرية في المنزل، تتناول الأطعمة التي ترتبط ارتباطا وثيقاً بهذه المناسبة دون غيرها، بداية من تلوين البيض، والأسماك المملحة، والبصل، او الخروج إلى المتنزهات وعلى ضفاف النيل، وقضاء يوما حافلا في الطبيعة، في مشهد موروث لعادات قديمة غالبت الزمن، حافظ عليها المصريون حتى الآن.

اعتبر المصريون القدماء عيد “شم النسيم” بداية سنة جديدة، وبعثا جديدا للحياة كل عام، تتجدد فيه الكائنات وتزدهر الطبيعة، ويأتي “شم النسيم” علي قائمة الأعياد الزراعية في مصر القديمة، واصطبغ بمرور الوقت بصبغة اجتماعية ذات صلة بالطبيعة، كما يتضح من اسمه “شمو” في اللغة المصرية القديمة، الهيروغليفية، وهي نفس الكلمة التي أطلقها المصريون القدماء على فصل الصيف، وتحمل أيضا معنى “الحصاد”.وقسّم المصري القديم فصول السنة، التي أطلق عليها كلمة “رنبت”، إلى ثلاثة فصول فقط، ارتبطت بالدورة الزراعية التي اعتمدت عليها حياته بالكامل وهي: فصل الفيضان الذي أطلق عليه “آخت”، ويبدأ من شهر يوليو، وفصل بذر البذور “برت”، ويبدأ في شهر نوفمبر ويوافق ظهور الأرض بعد انحسار الفيضان، وفصل الحصاد “شمو” الذي يبدأ في شهر مارس، وقد رمز له في الهيروغليفية ايضاً بالرمز “عنخ” أي أنه فصل الحياة، وجاءت التسمية الحالية، من تحريف “شمو” وتحولت الكلمة إلى “شم” في اللغة القبطية، التي تعد مرحلة متأخرة من الكتابة المصرية القديمة، لكن بأحرف يونانية.وتعرَّض الاسم للتحريف على مرِّ العصور، وأضيفت إليه كلمة “النسيم” لارتباط هذا الفصل باعتدال الجو، وقدوم الربيع،وما يصاحب الاحتفال بذلك العيد من الخروج إلى الحدائق والمتنزهات والاستمتاع بجمال الطبيعة.

اعتاد المصريون القدماء أن يجتمعوا كل عام في هذا اليوم عند الهرم الأكبر أمام الواجهة الشمالية قبل الغروب، ليشهدوا غروب الشمس، حيث يظهر قرصها وهو يميل في الأفق مقتربا تدريجا من قمة الهرم حتى يبدو وكأنه يجلس فوق الهرم الأكبر، ويستمر حتى الغروب، حيث تسقط أشعة الشمس على الجانب الجنوبي للهرم، فيبدو وكأنه هرمان متطابقان، وللمصريين القدماء قصة مع شروق الشمس وغروبها، إذ يعتبرون الشروق بداية جديدة للحياة، يهب فيها إله الكون فرصة ثانية لجميع الكائنات التي ماتت مع غروب الشمس لتحيا من جديد.

ارتبط الاحتفال بشم النسيم بعدد من الأطعمة الخاصة التي لم يكن اختيارها محض صدفة، بل كانت تحمل مدلولا فكريا ارتبط بعقيدته خلال احتفاله بالمناسبة، من بينها أطعمة أساسية كالبيض، والسمك المملح (الفسيخ)، والبصل، والخس، والحُمص (الملانة)، وهي أطعمة مصرية كان لها معنى ومدلول عند المصريين القدماء.

يرمز البيض عند قدماء المصريين إلي بداية خلق جديد إلي الحياة، فكانوا ينقشون أمنياتهم للعام الجديد علي البيض ثم يضعونه في سلال مصنوعة من السعف في الشرفات، ليحظى بإطلالة نور الإله عند إشراقه متجسدا في نور الشمس في يوم العيد كل عام، ثم يقومون بخبط البيضة المكتوب عليها الامنية ببيضة أخري فإن لم تنكسر البيضة فيكون ذلك مؤشرا على تحقق الامنية.

وهكذا بدأ الاحتفال بأكل البيض وتلوينة كأحد الشعائر المقدسة التي ترمز لعيد الخلق”شمو”، أما اليوم فقد تطور نقش الأمنيات لمجرد رسوم وألوان وزخارف زاهية، وهي العادات التي ما زال أكثرها متوارثاً إلى الآن.

تعتبر “الأسماك المملحة” أو “الفسيخ” من أشهر الأكلات المصرية التي تمتد لعهد الفراعنة، وشاع استخدامه في عهد الأسرة الخامسة كوسيلة لتقديس نهر النيل وعطاياه، وكان رمزاً للخلود لأنه لا يفسد،

وعُرف عن المصريون القدماء بالبراعة الشديدة في حفظ الأسماك وتجفيفها، واعتبروه رمزا للخير والرزق وتناوله في تلك المناسبة يعبر عن البهجة المصاحبة لموسم الحصاد.

وذكر هيرودوت – المؤرخ اليوناني في القرن الخامس قبل الميلاد وكتب – أن المصريين كانوا يأكلون السمك ويجفف بعضه في الشمس ویأکلونه نيئا، ويحفظون بعضه الآخر في الملح.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل