المحتوى الرئيسى

آبى أحمد وحمدوك‎

10/18 22:50

آبى أحمد وحمدوك نجمان يتلألآن الآن فى سماء إفريقيا السوداء، يضيئان حاضرها ومستقبلها المتوقع، آبى أحمد رئيس وزراء إثيوبيا، الذى حاز على جائزة نوبل للسلام هذا العام، وحمدوك رئيس وزراء السودان الذى أطلق عليه (العصامى اليتيم). فى التراث الإنسانى القديم كان عندما يظهر نجم له مواصفات معينة يكون ذلك إشارة من السماء أن عظيمًا سوف يولد، كما حدث عندما ولد الإسكندر المقدونى وعندما ولد السيد المسيح إذ رأوا حكماء المشرق نجمه وشدوا الرحال من أرض فارس (إيران اليوم) ليروا الملك الذى ولد فى بيت لحم؛ حيث سجدوا له وقدموا هدايا ذهبًا رمزًا للملك ورمزًا للكهنوت أو القيادة الدينية، ورمزًا للألم والصراع الذى سوف يعانى منه، وكانت هذه تقدما للأباطرة والرؤساء عند ولادتهم من سلسلة العائلة المالكة.

كان النجم المعاصر الأول هو آبى أحمد الذى جاء فى تقرير أحقية حصوله على جائزة نوبل للسلام، أنه نجح فى عقد معاهدة سلام ــ كانت تبدو مستحيلة ــ بين إثيوبيا وجارتها الجنوبية إريتريا، ويعتبر آبى أصغر رئيس وزراء فى تاريخ إثيوبيا (٤٣ عامًا)، وقد قام بعمل إصلاحات مهمة أعطت أملا لشعبه فى حياة أفضل ومستقبل مشرق، وقد ولد آبى من أب مسلم وأم مسيحية أرثوذكسية، وهى الطائفة الأكبر فى إثيوبيا إلا أن آبى انضم إلى كنيسة (من تراث الإصلاح الدينى للكنيسة الكاثوليكية فى القرون الوسطى ١٥١٧م والتى كان قائدها الراهب مارتن لوثر)، وتدعى الكنيسة الرسولية نسبة لرسل السيد المسيح، وهى شقيقة للكنائس الإنجيلية المصلحة بمصر، حصل آبى أحمد على منصبه فى أبريل ٢٠١٨م وبمجرد تقلده للمنصب قام بإصلاحات جذرية، حيث وقع اتفاقية سلام ــ كما ذكرنا ــ مع الرئيس أسياس أفورقى رئيس إريتريا فى العام الماضى بعد أجيال من النزاع السياسى، وسنتين من العنف المتبادل، والتى راح ضحيتها ما يقرب من مليون جندى على الحدود، وقد نمت الدولتان سريعًا بانفتاح الواحدة على الأخرى وذلك بفتح المجال الجوى مع بعضهما البعض. قضى آبى أحمد المائة يوم الأولى كرئيس وزراء مركزًا على إنقاذ دولته، وذلك بالإفراج عن آلاف المسجونين السياسيين، وقد قام بإقالة عدد من السياسيين والعسكريين من ذوى السمعة السيئة، والمتهمين بالفساد، كذلك أعطى المرأة حقها فى أن تكون نافذة فى المجال السياسى والاجتماعى وبقوة، وأيضًا قام بتعميق الفكر والممارسة الديمقراطية وذلك من خلال انتخابات نزيهة حرة وعادلة، وقد أعلن آبى أحمد أكثر من مرة أنه يحاول دائمًا الدفع والتشجيع نحو صنع السلام بين البشر، وهناك قول منتشر بين العامة فى إثيوبيا أن مبشر (داعية) نهضوى من الذين يدعون أنهم يتلقون رسائل من السماء تصل إليهم لإعلانها للبشر، تنبأ من خلال إذاعة الـ B.B.C إن آبى أعطاه الله طاقة روحية متفردة مع صبر وثقة فى النفس وهو سوف يقود إثيوبيا إلى المجد. تتميز الكنيسة الرسولية سواء فى مصر أو إثيوبيا بالنهضة الروحية الحرة والمستمرة، مع رجاء فى المستقبل السياسى، وإحدى الشعارات للكنيسة الرسولية الإثيوبية مقتبس من الكتاب المقدس أنه لا يوجد مستحيل «لا يستحيل على الرب شيء»، وهذا ما ردده أندرو رئيس كلية اللاهوت فى إثيوبيا (التى يتأهل فيها القساوسة كرجال دين) وهو عضو فى طائفة إنجيلية أخرى تدعى «كنيسة كل الإنجيل أو ملء الإنجيل» يقول أندرو: إن آبى أحمد أعلن لأتباعه بعد حصوله على المنصب: «لدينا بلد يملك ثروة عظيمة، وإمكانات عظمى، لكنه جائع للحب». وبمجرد حصوله على الجائزة كتب تويته يقول فيها: «أنا مدين لقرار لجنة نوبل. مع عمق شكرى لكل أعضاء اللجنة التى تعمل لأجل السلام. هذه الجائزة هى لأجل إثيوبيا وإفريقيا. سوف نعمل بقوة لأجل السلام».

يعتبر آبى أحمد رقم ٢٤ الذى يحصل على الجائزة من إفريقيا. فاز بالجائزة فى العام الماضى دينيس ميوكيوجى وهو طبيب مسيحى يعالج النساء ضحايا الاغتصاب فى جمهورية الكونغو الديمقراطية.

أيضًا ساعد آبى فى عقد مصالحة بين طائفتين أرثوذكسيتين، اللتين انفصلتا عن بعضهما البعض لأسباب سياسية عام ١٩٩١، ومن المعروف أن الكنيسة الأرثوذكسية هى الأكبر فى إثيوبيا حيث تمثل 40% من السكان بينما البروتستانت (الإنجيليون) 19% والمسلمون 43%، من الجدير بالذكر أن هناك علاقات تاريخية عميقة بين الكنيسة الأرثوذكسية المصرية والأرثوذكسية الإثيوبية، وتعود هذه العلاقات بينهما إلى النصف الأول من القرن الرابع الميلادى، تاريخ دخول المسيحية إلى إثيوبيا عندما تمكن أحد المصريين ويدعى فرومينتوس من نشر الدين المسيحى بين رجال البلاط الملكى، وعند عودته إلى مصر طلب من البطريرك القبطى أن يرسمه مطرانًا (أسقفًا) على إثيوبيا وأصبح بهذا أول مطران فى التاريخ إثيوبيًا، لذلك نشأ تقليد بأن يقوم بطريرك الإسكندرية بترسيم مطران الكنيسة الإثيوبية من بين الرهبان المصريين، ويأخذ المطران المرتسم الجنسية الإثيوبية بمجرد وصوله إلى إثيوبيا، وكان معمولًا بهذا التقليد حتى عام 1950م أى طوال ما يزيد على 16 قرنًا من الزمان، ولقد تدخلت إسرائيل أكثر من مرة لغرس نزاعات بين مصر وإثيوبيا، حيث سلمت الأحباش دير السلطان الذى كان فى يد الكنيسة المصرية الأرثوذكسية، وتعتبر العلاقات بين البلدين علاقات مصيرية ذات أبعاد حضارية وثقافية مشتركة، بالإضافة إلى كونها مصدر تهديد مباشر لموارد مصر من مياه النيل، وهذا يجعل من الضرورى إقامة علاقات حسنة دائمًا بين مصر من ناحية والسودان وإثيوبيا من الناحية الأخرى، ولقد كان لجمال عبدالناصر الفضل فى أن يجعل بلاد القارة الإفريقية من أقرب البلدان إلى مصر سواء الكونغو أو الحبشة أو السودان.. إلخ، بل إن ناصر اقترح يومًا إقامة تجمع أو تكتل أو حتى حلف عسكرى يجمع بين مصر والسودان وإثيوبيا، لكن الاقتراح رفض من إثيوبيا، خوفًا من كاريزمية ناصر وزعامته، بعده استمر السادات فى الاهتمام بهذا الاتجاه لكن ليس بحماسة عبدالناصر، ثم جاء مبارك.

فى آخر عهد السادات وبدايات عهد مبارك كان مهندس العلاقات بين مصر وكل إفريقيا بطرس بطرس غالى والذى نجح فى هذا الاتجاه نجاحًا ملحوظًا، حيث اعتبرت القاهرة العاصمة والملاذ لمعظم البلدان الإفريقية، لكن بعد محاول اغتيال مبارك عام 1995م حيث كان متجهًا لحضور مؤتمر منظمة الوحدة الإفريقية فى أديس أبابا، وبعد خروجه من المطار فوجئ بكمين أطلق على موكبه عدة أعيرة، وبادله الحراس المصريون إطلاق النار، وقتلوا واحدًا منهم، وأمر مبارك السائق (لف وارجع) وعاد إلى القاهرة، وبعد عودته طلب من بطرس بطرس غالى بطريق غير مباشر ألا يهتم بإفريقيا، وهكذا ضعفت العلاقات المصرية الإفريقية، حتى وصلت إلى أسوأ حالاتها، وهكذا استغلت إثيوبيا ثورة الربيع العربى 2011م، وبدأت فى بناء السد والذى أصبح عاملًا أساسيًا من عوامل النزاع بين مصر وإثيوبيا.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل