المحتوى الرئيسى

خبراء عن "قانون المحروقات الجزائري": تعديلات صحيحة في توقيت خاطئ

10/15 07:03

أكد خبراء اقتصاديون جزائريون أن التعديلات التي تضمنها مشروع قانون المحروقات "تستجيب للقوانين الدولية ولحاجات الجزائر من الطاقة"، ومحاولة من الحكومة الجزائرية لإحداث التوازن في اقتصاد البلاد الذي يترقب أزمة اقتصادية خانقة مطلع العام المقبل. 

وصادق الأحد، مجلس الوزراء الجزائري برئاسة الرئيس المؤقت عبدالقادر بن صالح على مشروع التعديلات على قانون المحروقات وقانون المالية (الموازنة العامة) لعام 2020.

وأثارت التعديلات على قانون المحروقات جدلاً كبيراً في الجزائر، بين من اعتبره "تأميماً ثانياً للمحروقات من الهيمنة الفرنسية"، وبين من يرى فيه "ضرورة حتمية لمواجهة أزمة اقتصادية مرتقبة، لكن توقيت طرحه في هذه الظروف الحساسة سمح بالتوظيف السياسي السيئ له".

في حين خرج مئات المحتجين، الأحد، في بعض المحافظات الجزائرية ضد التعديلات التي تضمنها قانون النفط، واعتبروه "رهناً لثروات البلاد للشركات متعددة الجنسيات"، فيما انتقد معارضون ما تضمنه القانون من إعفاءات كبيرة في الرسوم، واصفين ذلك بـ"الرشوة السياسية لأطراف أجنبية لتمرير انتخابات الرئاسة" على حد تعبيرهم.

ووصفت الرئاسة الجزائرية في بيان لها، الأحد، التعديلات التي أقرتها الحكومة على قانون المحروقات بـ"التدابير الجريئة في سياق وطني ودولي صعب"، وبأنه "سيسمح بمواكبة التطورات الحاصلة في السوق النفطية العالمية وبتطوير شركة سوناطراك النفطية".

وحدد الرئيس الجزائري المؤقت هدف تلك التعديلات في "خلق ديناميكية جديدة من شأنها تأهيل الاقتصاد الوطني وتحسين المنظومة الاجتماعية على أسس صحيحة ومستدامة"، وكشف في السياق ذاته عن أن شركة سوناطراك النفطية الحكومية ستكون الجهة الوحيدة المخولة بتوقيع عقود الاستثمارات مع الأجانب.

ومنحت التعديلات الأخيرة والرابعة على قانون المحروقات الحالي الذي أعد في عهد الرئيس الجزائري المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة سنة 2005 وعدل سنتي 2009 و2013، إعفاءات ضريبية وجمركية غير مسبوقة للشركات الأجنبية، بهدف تشجيعها على العودة للاستثمار في السوق الجزائرية بعد تراجعها منذ 2013.

ووفق ما جاء في وثيقة التعديلات التي اطلعت عليها "العين الإخبارية"، فقد ألغى القانون الجديد الرسم على القيمة المضافة المحددة بـ19 % على نشاط المنبع من بحث واستكشاف وتنقيب.

كما أعفى الشركات الأجنبية المستثمرة في قطاع الطاقة بالجزائر من دفع الرسوم والضرائب على واردات السلع والتجهيزات، وكل المواد المستخدمة في أنشطة الاستكشاف واستغلال حقول النفط، وإلغاء "التوطين البنكي" المتعلق باستيراد السلع الموجهة لأنشطة المنبع.

وتضمنت التعديلات على قانون المحروقات بالجزائر أيضا إلغاء للقيمة المضافة على نشاط نقل الأنابيب، وكل الرسوم والضرائب المفروضة على استيراد المواد والمنتجات الموجهة لنشاط نقل الأنابيب.

ومن أبرز التعديلات كذلك، تمديد آجال الرخص الخاصة بالاستكشاف الغازي والنفطي من عامين إلى 7 أعوام قابلة للتمديد عامين إضافيين، مع تحديد المدة القصوى لاستغلال الحقول بـ30 عاماً باحتساب سنوات مرحلة الاستكشاف، مع إمكانية تمديدها بـ10 أعوام أخرى كحد أقصى.

وأعطى الأفضلية للشركات المحلية في أنشطة المناولة الخاصة بمشاريع النفط والغاز الموقعة بين سوناطراك الحكومية والمستثمرين الأجانب، والتأكيد على منح الأولوية للجزائريين فيما يتعلق باليد العاملة لنشاطات المنبع.

وأبقى قانون المحروقات المعدل على القاعدة الاستثمارية 51/49 في المشاريع الاستثمارية في البترول والغاز، والتي تعطي الحق لشركة سوناطراك الحكومية الجزائرية 51 % من أسهم الشركة، مقابل 49 % للشريك الأجنبي.

كما حافظ على ما يعرف في الجزائر بـ"حق الشفعة" لشركة سوناطراك النفطية، وهو القانون الذي يمنع على الشريك الأجنبي تحويل حصصه إلى شريك آخر، ويمنح الشركة الحكومية الجزائرية حق شراء الحصص في مدة لا تتجاوز 60 يوماً، مع تفضيل الحلول الودية في حالات الخلافات مع الشركاء الأجانب على خيار التحكيم الدولي.

وتجدر الإشارة إلى أن القانون الجديد لم يدخل حيز التنفيذ بعد، في انتظار مناقشته من قبل غرفتي البرلمان الجزائري (المجلس الشعبي الوطني ومجلس الأمة) في الأيام المقبلة، وسط توقعات بجلسات نقاش ساخنة، قد تؤجل البت فيه إلى غاية انتخاب رئيس جديد في البلاد.

وأشار خبراء اقتصاديون لـ"العين الإخبارية" بأن واقع الاقتصاد الجزائري وما يمر به من حالة ركود مع تراجع في إنتاج الجزائر من النفط مقابل انخفاض احتياطات البلاد من العملة الصعبة، كلها عوامل سرعت من وتيرة المصادقة على التعديلات التي تسمح –وفق تصريحاتهم– بإعادة الثقة إلى السوق المحلية.

وقدم الخبراء أرقاماً، قالوا إنها تؤكد بأن اقتصاد الجزائر أمام "وضع خطر"، من أبرزها تراجع احتياطي الجزائر من النفط والغاز في العشرية الأخيرة بنحو 60 % وانخفاض الإنتاج بـ 10 % سنوياً، في مقابل ارتفاع الاستهلاك المحلي من الطاقة بنسبة 7 % سنوياً، وزيادة استهلاك الكهرباء بـ12 %.

وتقول الحكومة الجزائرية إن الهدف من التعديلات الواردة في قانون المحروقات جذب الشركات الأجنبية لاستكشاف حقول جديدة بعد سنوات من عزوفها عن السوق المحلية.

رؤية مشابهة عبر عنها الخبير الاقتصادي الدكتور علاوة خلوط في تصريح لـ"العين الإخبارية"، وقال "إن التعديلات تهدف إلى تحفيز المستثمرين الأجانب في قطاع النفط لا أقل ولا أكثر، وما هو إلا تعديل لبعض بنود القانون القديم، لكن لاحظنا مبالغة وتضخيماً عندما يقال إنه يرهن ثروات البلاد للأجانب".

كما أوضح بأن "التعديلات الواردة فيه تتطابق وتتناسب مع القوانين الدولية، من خلال فتح المجال أمام المستثمر الأجنبي وتسهيل الإجراءات الخاصة بذلك".

وأضاف بأن "الحفاظ على مستوى 1.9 % كما ذكر تقرير صندوق النقد الدولي مرتبط بزيادة الإنتاج في قطاع المحروقات، لأن الاقتصاد الجزائري يحتاج إلى فترة طويلة ليتعافى، وبالتالي أعطت السلطات أهمية كبيرة للحفاظ على التوازنات الداخلية والخارجية، خاصة وأن معدل النمو في القطاع انخفض ما بين 6.4 % و4%، وهو ما يتطلب استثمارات جديدة".

بدوره، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالرحمن مبتول إن قانون المحروقات الذي عدل في فبراير/شباط 2013 "لا يتماشى مع التحولات الطاقوية العالمية الحالية، وتم إعداده عندما كان سعر برميل النفط يقارب 100 دولار، وكان لزاماً على الجزائر تغييره".

وأضاف في تصريح لـ"العين الإخبارية" "لتكون هناك فعالية لقانون المحروقات، لا بد له من أن يتماشى مع الفعالية الطاقوية، واستغلال الطاقات المتجددة، كما أن الحكومة برمجت إنشاء مصنعين للطاقة النووية".

وأوضح بأن "المؤشرات الحالية تشير إلى أن مداخيل شركة سوناطراك لن تتعدى 32 مليار دولار مع نهاية 2019، مقابل فاتورة استيراد تقارب 45 مليار دولار و9 مليارات دولار للخدمات، وهو ما يعني تراجعاً رهيباً في احتياطات الصرف".

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن صيغة القانون المعدل "تعني عودة شركات كبرى إلى السوق المحلية، بعد أن تسبب القانون القديم في رفض بعضها الاستثمار في الجزائر، وانسحاب أخرى، الأمر الذي فسح المجال لشركة توتال الفرنسية، وهو القانون نفسه الذي منح امتيازات لطرف على حساب آخر".

وأشارت تقارير إعلامية جزائرية إلى بروز "هواجس لدى باريس" بعد أن أعربت شركات نفطية أمريكية كبيرة عن رغبتها في دخول السوق الجزائرية، خاصة بعد زيارات مسؤولين في بعض منها في الأسابيع الأخيرة إلى الجزائر، من بينها شركتا "إيكسون موبيل" و"شيفرون".

غير أن الخبير الاقتصادي عبدالرحمن مبتول يرى عكس ذلك، ونفى في تصريح لـ"العين الإخبارية" أن "يكون القانون الجديد للمحروقات ورقة ضغط ضد المصالح الاقتصادية الفرنسية"، واعتبر بأنها "قراءة غير دقيقة ولا يوجد أي صراع على النفط بين واشنطن وباريس".

ورغم دعمه لكل التعديلات الواردة في قانون المحروقات، إلا أن الخبير الاقتصادي عبدالرحمن مبتول أعرب عن "رفضه" طرحها في هذا الظرف السياسي الذي تمر به الجزائر، مرجعاً ذلك إلى "أن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال ومرفوضة شعبياً ولا يمكنها البت في قانون حساس مثل قانون المحروقات".

كما انتقد تصريحات وزير الطاقة الجزائري محمد عرقاب التي قال فيها "إن القانون تم إعداده بعد مفاوضات مع 5 شركات نفطية عالمية كبيرة"، وكشف بأنه كان واحداً من الخبراء الذين أعدوا التعديلات على قانون المحروقات.

وأشار إلى "أنه تشاور في العامين الأخيرين مع جميع إطارات شركة سوناطراك ومع فعاليات المجتمع المدني في شمال الجزائر وجنوبها، بالإضافة إلى مساهمة مديرين سابقين لشركة سوناطراك في إثراء القانون، وتصريحات الوزير خطأ فادح، الأمر الذي فجر الجدل عبر مواقع التواصل".

ورأى "مبتول" أنه "لم يبق للجزائر إلا أقل من شهرين لانتخاب رئيس جديد، ومن المفترض أنه وحكومته من يتحمل مسؤولية إعلان التعديلات الجديدة، كما أن بعض الأجانب أعربوا لي عن قلقهم من إقرار قانون جديد للمحروقات من قبل سلطة مرفوضة شعبياً، ويتخوفون من أن يُقدم الرئيس الجزائري على تغييره مرة أخرى".

ونفى الخبير الاقتصادي تصريحات بعض المسؤولين الجزائريين الذين تحدثوا عن "وجود مطالب لشركات أجنبية لتغيير قانون المحروقات".

أهم أخبار اقتصاد

Comments

عاجل